﴿ وَمَا أَرْسَلْنَاكَ إِلا رَحْمَةً لِلْعَالَمِينَ

أنه ﷺ لا يؤذيه الذباب

الإثنين 16 جمادى الأولى 1443, الاثنين 20 ديسمبر 2021

ذكر القاضي عياض: من خصائصه ﷺ أن الذباب كان لا يقع على جسده ولا ثيابه (1).

وقال السيوطي في الخصائص الكبرى:

"ذكر القاضي عياض في "الشفا" والعز في "مولده" أن من خصائصه ﷺ أنه كان لا ينزل عليه الذباب.

 وذكر ابن سبع في الخصائص بلفظ: أنه لم يقع على ثيابه ذباب قط، وزاد أن من خصائصه أن القمل لم يكن يؤذيه" (2).

 وقال صاحب المواهب:

"وكان ﷺ لا يقع على ثيابه ذباب قط، نقله الفخر الرازي، ولا يمتص دمه البعوض، كذا نقله الحجازي وغيره، وما آذاه القمل، قاله ابن سبع في "الشفا" والسبتي في أعذب الموارد" (3).

 وقال ابن طولون:

"ولم يقع على ثيابه قط ولا على خده، ذكره صاحب شفاء الصدور، وتاريخ ابن النجار، وفيهما: ولا آذاه القمل" (4).

______________________

1. الشفا للقاضي عياض 1/ 522.

2. الخصائص الكبرى 1/ 117.

3. المواهب اللدنية 2/ 633.

4. مرشد المحتار 363.



وقال المناوي:

"هذا التعبير يفهم أنه كان في بدنه وثوبه القمل، لكنه لا يؤذيه. لكن ما ذكره بعضهم لما جاء في عدة أحاديث: أنه كان يدخل على أم سليم بيتها تفلي رأسه. وفي حديث الطبراني والترمذي عن عائشة: كان يفلي ثوبه ويحلب شاته. ومن لازم التفلي وجود قمل يؤذيه.

لكن ذكر ابن سبع وتبعه بعض شراح الشفا: أنه لم يكن فيه قمل، لأنه نور، ولأن أصل القمل من العفونة، ولا عفونة فيه، ولأنه لما كان لا يبدو فيه إلا طيباً، كان علامة ذلك أنه لا يتسخ له ثوب، وأيضاً فأكثر القمل من العرق الخبيث وعرقه كان طيباً. ومن قال: إن فيه قملاً فهو كمن نقصه، ولا يلزم من ودود التفلية وجود القمل، فقد يكون للتعليم، أو لتفتيش ما فيه من نحو خرق ليرقعه" (1).

هكذا أوردت هذه الكتب هذه الخصائص دون ذكر الدليل، بغض النظر عن كونه هذا الدليل صحيحاً، أو ضعيفاً أو موضوعاً.

ويؤكد كلام ابن سبع الأخير: أنه اعتمد القياس العقلي في إثبات هذه الخصوصية، حتى وصل إلى القول: بأن من قال: إن القمل كان يؤذي رسول الله ﷺ فقد انتقصه؟!

وهل تثبت الخصوصيات بهذه الطريقة من التقرير بعيداً عن الأدلة واعتماداً على نقول لا دليل عليها؟!.

أقول: والملاحظ أن المسألة بدأت الذباب، ثم أضيف إليه القمل، ثم أضيف إليه البعوض.

وقد وردت أحاديث كثيرة بشأن نفلية رأس النبي وثيابه.

فقد أخرج الشيخان عن أنس رضي الله عنه: أّنَّ أُمُّ حَرَامٍ أَطْعَمت النبي ﷺوَجَعَلَتْ تَفْلِي رَأْسَهُ (2).

______________________

1. مرشد المحتار، في الحاشية ص 363.

2. متفق عليه (خ 2788، م 1912).


وقد سبق في قول المناوي ذكر حديث عائشة عند الترمذي: كان يفي ثوبه.

وعند الإمام أحمد: كان ﷺ بشراً من البشر يفلي ثوبه (1).

وعنده أيضاً: كانت زينب تفلي رسول الله ﷺ (2).

 وهناك أحاديث أخرى.

فهل كانت هذه التفلية منه ﷺ ومن غيره عبثاً؟.

نعم، ليس من الضروري أن يوجد عند التفلية القمل، وقد تكون اطمئناناً على عدم وجوده.

 ولكن مباشرتها ألا يعني توقع وجود القمل؟ وإلا كانت عبثاً.

إذن فهذه الأحاديث إذا كانت لا تقرر وجود القمل، فإنها تقرر توقع وجوده.

 والقمل أسوأ وأشد ضرراً من الذباب.

والمرجع في هذا هو وجود الدليل، ولا دليل.

 وعن علي رضي الله عنه قال: لَدَغَتْ النَّبِيَّ ﷺ عَقْرَبٌ وَهُوَ يصلي، فلما فرغ قال:  

(لَعَنَ اللَّهُ الْعَقْرَبَ لَا تَدَعُ مصلياً ولا غيره ثم دعا بماء وملح، فجعل يمسح عليها، ويقرأ: {قُلْ يَٰٓأَيُّهَا ٱلْكَٰفِرُونَ} و {قُلْ أَعُوذُ بِرَبِّ ٱلْفَلَقِ} و {قُلْ أَعُوذُ بِرَبِّ ٱلنَّاسِ})

(3).

 فإذا كانت العقرب لدغت النبي ﷺ، وأجري الله عليه منها ما يجريه على الناس، وفقاً لسنة الله في الخلق، فأمر الذباب والبعوض أهون من ذلك.

______________________

1. المسند 6/ 256.

2. المسند 6/ 363.

3. مجمع الزوائد برقم (8445) وقال الهيثمي: رواه الطبراني في الصغير، وإسناده حسن.



وهذا ما كان يجري على الأنبياء عليهم الصلاة والسلام أيضاً.

 فقد أخرج الشيخان من حديث عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ ﷺ قَالَ: 

(نَزَلَ نَبِيٌّ مِنْ الْأَنْبِيَاءِ تَحْتَ شَجَرَةٍ فَلَدَغَتْهُ نَمْلَةٌ فَأَمَرَ بِجَهَازِهِ فَأُخْرِجَ مِنْ تَحْتِهَا ثُمَّ أَمَرَ بِبَيْتِهَا فَأُحْرِقَ بِالنَّارِ فَأَوْحَى اللَّهُ إِلَيْهِ فَهَلَّا نَمْلَةً وَاحِدَةً؟)

(1).

ومحل الشاهد أن النملة قرصت هذا النبي كما تفعل بغيره من بني الإنسان فكونه نبياً لا يخرجه عن كونه بشراً من البشر.

وأخيراً: فكيف خفيت هذه الخصوصية على الصحابة رضي الله عنهم وهم الذي عايشوه وكانوا معه ليلاً ونهاراً، فلم ينقل أحد منهم لنا ذلك. مع حرصهم الشديد على أن ينقلوا لنا كل ما سمعوه منه ﷺ أو رأوه!.

______________________

1. متفق عليه (خ 3149، م 2241).


مواد ذات صلة