﴿ وَمَا أَرْسَلْنَاكَ إِلا رَحْمَةً لِلْعَالَمِينَ

أدب السلف في تعظيم السنة

الخميس 19 جمادى الأولى 1443, الخميس 23 ديسمبر 2021

رأينا في الفصل السابق كيف ربى القرآن الكريم المسلمين على الأدب الرفيع في خطاب النبي ﷺ.

وقد فهم الصحابة رضي الله عنهم، وكذلك من جاء بعدهم من سلف هذه الأمة، أن هذا الأدب ينجر إلى التعامل مع حديثه ﷺ.

فعندما ينهى القرآن الكريم عن التقدم بين يديه صلى الله عليه وسلم برأي أو غيره، فهذا يعني أنه لا ينبغي - أيضاً - التقدم بين يدي حديثه برأي أو قول لغيره. فلا يُعارض قول النبي ﷺ بقول بشر كائناً من كان.

وقد اشتد إنكارهم على من فعل ذلك.

ويحسن بنا أن نذكر بعض الأمثلة التي توضح هذا الجانب المهم، الذي ربما غاب عن أذهان كثير من المسلمين.

1- أخرج مسلم من حديث سَالِمُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ أَنَّ عَبْدَ اللَّهِ بْنَ عُمَرَ قَالَ سَمِعْتُ رَسُولَ اللَّهِ ﷺ يَقُولُ: 

(لَا تَمْنَعُوا نِسَاءَكُمْ الْمَسَاجِدَ إِذَا اسْتَأْذَنَّكُمْ إِلَيْهَا) 

قَالَ فَقَالَ بِلَالُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ وَاللَّهِ لَنَمْنَعُهُنَّ قَالَ فَأَقْبَلَ عَلَيْهِ عَبْدُ اللَّهِ فَسَبَّهُ سَبًّا سَيِّئًا مَا سَمِعْتُهُ سَبَّهُ مِثْلَهُ قَطُّ، وَقَالَ:

أُخْبِرُكَ عَنْ رَسُولِ اللَّهِ ﷺ وَتَقُولُ وَاللَّهِ لَنَمْنَعُهُنَّ؟!!

وفي رواية:

 قال: فَضَربَ فِي صَدرهِ وَقَالَ: أُحَدِّثُكَ عَنْ رَسُولِ اللَّهِ ﷺ، وَتَقُول: لَا؟! (1).

2- وأخرج الشيخان من حديث عَبْدِ اللَّهِ بْنِ مُغَفَّلٍ: أَنَّهُ رَأَى رَجُلًا يَخْذِفُ (2) فَقَالَ لَهُ: لَا تَخْذِفْ فَإِنَّ رَسُولَ اللَّهِ ﷺ نَهَى عَنْ الْخَذْفِ أَوْ كَانَ يَكْرَهُ الْخَذْفَ.

ثُمَّ رَآهُ بَعْدَ ذَلِكَ يَخْذِفُ، فَقَالَ لَهُ: أُحَدِّثُكَ عَنْ رَسُولِ اللَّهِ ﷺ أَنَّهُ نَهَى عَنْ الْخَذْفِ أَوْ كَرِهَ الْخَذْفَ وَأَنْتَ تَخْذِفُ!! لَا أُكَلِّمُكَ كَذَا وَكَذَا (3).

وهكذا هجر عبدالله صاحبه هجرة لله عز وجل بسب عدم أدبه والتزامه لما سمع من حديث رسول الله ﷺ.

3- أخرج مسلم من حديث أَبي قَتَادَةَ قَالَ: كُنَّا عِنْدَ عِمْرَانَ بْنِ حُصَيْنٍ فِي رَهْطٍ مِنَّا وَفِينَا بُشَيْرُ بْنُ كَعْبٍ فَحَدَّثَنَا عِمْرَانُ يَوْمَئِذٍ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ ﷺ: 

(الْحَيَاءُ خَيْرٌ كُلُّهُ)

فَقَالَ بُشَيْرُ بْنُ كَعْبٍ إِنَّا لَنَجِدُ فِي بَعْضِ الْكُتُبِ أَوْ الْحِكْمَةِ أَنَّ مِنْهُ سَكِينَةً وَوَقَارًا لِلَّهِ وَمِنْهُ ضَعْفٌ.

قَالَ: فَغَضِبَ عِمْرَانُ حَتَّى احْمَرَّتَا عَيْنَاهُ وَقَالَ: أَلَا أَرَانِي أُحَدِّثُكَ عَنْ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَتُعَارِضُ فِيهِ؟! (4).

4- وأخرج الدارمي عَنْ قَتَادَةَ قَالَ حَدَّثَ ابْنُ سِيرِينَ رَجُلًا بِحَدِيثٍ عَنْ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَقَالَ رَجُلٌ قَالَ فُلَانٌ كَذَا وَكَذَا فَقَالَ ابْنُ سِيرِينَ أُحَدِّثُكَ عَنْ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَتَقُولُ قَالَ فُلَانٌ لَا أُكَلِّمُكَ أَبَدًا (5).

______________________

1. أخرجه مسلم برقم (442).

2. يخذف: هو الرمي بحصاة أو نواة ونحوها.

3. أخرجه البخاري برقم (5479)، ومسلم (1954).

4. أخرجه مسلم برقم (37).

5. أخرجه الدارمي برقم (441).



5- وأخرج أيضاً عن عُبَادَةُ بْنُ الصَّامِتِ: أَنَّ النَّبِيَّ ﷺ نَهَى عَنْ دِرْهَمَيْنِ بِدِرْهَمٍ فَقَالَ فُلَانٌ: مَا أَرَى بِهَذَا بَأْسًا يَدًا بِيَدٍ فَقَالَ عُبَادَةُ: أَقُولُ قَالَ النَّبِيُّ ﷺ وَتَقُولُ: 

لَا أَرَى بِهِ بَأْسًا؟! وَاللَّهِ لَا يُظِلُّنِي وَإِيَّاكَ سَقْفٌ أَبَدًا

(1).

6- وأخرج عن ابْنُ عَبَّاسٍ أَنَّهُ قَالَ: أَمَا تَخَافُونَ أَنْ تُعَذَّبُوا أَوْ يُخْسَفَ بِكُمْ أَنْ تَقُولُوا قَالَ رَسُولُ اللَّهِ وَقَالَ فُلَانٌ (2).

7- وأخرج عن الأوزاعي قال: كتب عمر بن عبدالعزيز: أنه لا رأي لأحد في سنة سنها رسول الله صلى الله عليه (3).

هكذا فهم الصحابة رضي الله عنهم والسلف الصالح. أن قوله ﷺ وحي من الوحي وأنه لا مجال لمعارضته بالرأي.

وهكذا ينبغي أن يكون موقف كل مسلم، التزاماً بالأدب القرآني الكريم.

______________________

1. أخرجه الدارمي برقم (443).

2. أخرجه الدارمي برقم (431).

3. أخرجه الدارمي برقم (432).

 

مواد ذات صلة