﴿ وَمَا أَرْسَلْنَاكَ إِلا رَحْمَةً لِلْعَالَمِينَ

تأليف قلوب العرب

الأربعاء 16 جمادى الآخرة 1443, الأربعاء 19 يناير 2022

لقد كان العرب قبل الإسلام قبائل متنازعة متناحرة، لا هم لها إلا المفاخرة والتعالي على بعض، تشتعل الحرب بينهم لأتفه الأسباب، وقد تستمر الحرب بينهم لعشرات السنوات لأجل ناقة - على سبيل المثال - كما حصل في حرب البسوس التي استمرت أربعين سنة بين تغلب وبكر ابني وائل؛ لأن كليب بن ربيعة التغلبي قتل ناقة البسوس خالة جساس بن مرة الكلبي (1).

وحرب داحس والغبراء التي كانت  بين قبيلتي عبس وذبيان، لخلاف على سباق بين فرسين - وهما داحس والغبراء - واستمرت هذه الحرب أربعين سنة أيضاً، وشارك في بعض حروبها عنتر، وذكرها زهير بن أبي سلمى في معلقته (2)، والحرب بين الأوس والخزرج مع أنهم أبناء عم استمرت أكثر من مائة سنة.

فهذه النفوس كان فيها من الألفة، وعدم الرضا بالضيم والحمية القبلية والقتال على أتفه الأسباب، والتي كانت تجعل النهب والقتل ومن أعظم سبل كسب الرزق والمفاخرة بالظلم، مما يجعلها أصعب ما يكون للاتحاد وجمع الكلمة، فالقدرة على جمع كلمة العرب قاطبة بقبائلها المتنافرة، وإسقاط ما في نفوس بعضهم لبعض من البغض والثأر من رجل واحد، أمر معجز حقاً، قال تعالى ممتنا على هذه الأمة بهذه النعمة ومبيناً أنه من فعله وليس من فعل أحد من البشر: 

ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

1. المعجم المفصل في الأدب، د. محمد التونجي (1/ 187)، دار الكتب العلمية، بيروت، الطبعة الأولى، 1993م.

2. المصدر السابق (2/ 430).


{وَٱعْتَصِمُوا بِحَبْلِ ٱللَّهِ جَمِيعًا وَلَا تَفَرَّقُوا ۚ وَٱذْكُرُوا نِعْمَتَ ٱللَّهِ عَلَيْكُمْ إِذْ كُنتُمْ أَعْدَآءً فَأَلَّفَ بَيْنَ قُلُوبِكُمْ فَأَصْبَحْتُم بِنِعْمَتِهِۦٓ إِخْوَٰنًا وَكُنتُمْ عَلَىٰ شَفَا حُفْرَةٍۢ مِّنَ ٱلنَّارِ فَأَنقَذَكُم مِّنْهَا ۗ كَذَٰلِكَ يُبَيِّنُ ٱللَّهُ لَكُمْ ءَايَٰتِهِۦ لَعَلَّكُمْ تَهْتَدُونَ}

[آل عمران: 103]، 

وقال سبحانه وتعالى مبيناً صعوبة تأليف القلوب: 

{وَإِن يُرِيدُوٓا أَن يَخْدَعُوكَ فَإِنَّ حَسْبَكَ ٱللَّهُ ۚ هُوَ ٱلَّذِىٓ أَيَّدَكَ بِنَصْرِهِۦ وَبِٱلْمُؤْمِنِينَ وَأَلَّفَ بَيْنَ قُلُوبِهِمْ ۚ لَوْ أَنفَقْتَ مَا فِى ٱلْأَرْضِ جَمِيعًا مَّآ أَلَّفْتَ بَيْنَ قُلُوبِهِمْ وَلَٰكِنَّ ٱللَّهَ أَلَّفَ بَيْنَهُمْ ۚ إِنَّهُۥ عَزِيزٌ حَكِيمٌ}

[الأنفال: 62-63]، 

فكانوا بعد هذا التآلف قوة ضاربة أسقطت فارس والروم، وقد تلمح بعض الشعراء هذا المعنى فقال:

هل تطلبون من المختار معجزة           من خاضها باع دنياه بأخــراه

مواد ذات صلة