﴿ وَمَا أَرْسَلْنَاكَ إِلا رَحْمَةً لِلْعَالَمِينَ

أُمِّ الْمُؤْمِنِينَ أُمِّ حَبِيبَة بِنْت أَبِي سُفْيَانَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا

الأحد 27 جمادى الآخرة 1443, الأحد 30 يناير 2022

أم حبيبة، رملة بنت أبي سفيان صخر بن حرب.

كانت زوجة لعبيد الله بن جحش، أخي عبدالله المستشهد بأحد، وأختهما أم المؤمنين زينب.

كان عبيد الله من الحنفاء الذي لم تعجبهم عبادة الأصنام فابتعدوا عنها، ولما جاء الإسلام دخل في دين الله هو وزوجته أم حبيبة، ثم هاجرا إلى الحبشة مع من هاجر إليها في الهجرة الثانية، ومعهما ابنتهما حبيبة التي ولدت بمكة. وبعد مدة من الإقامة في الحبشة رأت أم حبيبة تغيراً في سلوك زوجها، ثم أعلن بعد ذلك ارتداده عن الإسلام ودخوله في النصرانية. . وعندها اعتزلته أم حبيبة، وعاش منفرداً وأكب على شرب الخمر.. إلى أن مات.

تقول أم حبيبة: فلما انقضت عدتي، فما شعرت إلا برسول النجاشي يستأذن، فإذا هي جارية يقال لها أبرهة، فقالت: إن الملك يقول لك: وكلي من يزوجك. .

وقد بعث النبي ﷺ عمرو بن أمية إلى النجاشي ليخطبها عليه، فكان النجاشي وكيلاً عن النبي ﷺ، وبعد موافقة أم حبيبة وكلت عنها خالد بن سعيد بن العاص لينوب عنها في إجراء العقد.

وتم العقد بحضور المسلمين عند النجاشي، الذي أمهرها من ماله عن النبي ﷺ أربعمائة دينار، وصنع لهم طعاماً بهذه المناسبة.

وتوكيل النبي ﷺ للنجاشي بهذه المهمة، دون غيره من المسلمين، إنما هو اعتراف منه ﷺ بفضل النجاشي في إيواء المسلمين، ونوع من رد الجميل، وكأنه ﷺ اعتبره مسؤولاً - نيابة عنه - عن تصريف شؤونهم، فكانت الخطبة إليه وجعله وكيلاً عنه.

ولما عاد جعفر بن أبي طالب وأصحابه من الحبشة كانت أم حبيبة في عداد العائدين إلى المدينة، وصادف ذلك فتح خيبر فقال ﷺ: (ما أدري بأيهما أنا أسر، بفتح خيبر ام بقدوم جعفر).

كان زواجه ﷺ من أم حبيبة تكريماً لها وتقديراً لجهادها، في من المسلمين الأوائل، من المهاجرات إلى الحبشة، ثم هي من الصابرات على الوحدة في الغربة بعد تنصر زوجها الأول. وهو حل لمشكلة كانت لديها، فهي ما كانت تستطيع العودة إلى بيت أبيها، فقد كان يومئذ رأس الكفر، والعدو الأول للإسلام.. فكان هذا الزواج حلاً للمشكلة من جانب وتكريماً من جانب آخر. . إنها حكمته ﷺ. .

ولما بلغ أبا سفيان خبر زواج رسول الله ﷺ قال: ذلك الفحل لا يقدع أنفه. أي: هو الكريم.

ومن مواقفها التي تسجل لها: أن قريشاً عندما نقضت شروط صلح الحديبية وعاونت بني بكر - حلفاءها - على الإيقاع بخزاعة حلفاء النبي ﷺ. . وجاء أبو سفيان إلى المدينة يريد رأب الصدع. .

ودخل على ابنته أم حبيبة، فلما ذهب ليجلس على البساط. . أسرعت أم حبيبة وطوته عنه، فقال: يا بنية، ما أدري أرغبت بي عن هذا البساط أم رغبت به عني؟ قالت: بل هو بساط رسول الله ﷺ، وأنت رجل مشرك نجس، ولا أحب أن تجلس عليه. . قال: والله لقد أصابك يا بنية بعدي شر.

ومرت الأيام. . وفتحت مكة وأسلم أبو سفيان وابنه معاوية. . ودخل ﷺ يوما على أم حبيبة فوجدها تدعو الله تعالى بقولها: 

اللَّهُمَّ أَمْتِعْنِي بِزَوْجِي رَسُولِ اللَّهِ ﷺ وَبِأَبِي أَبِي سُفْيَانَ وَبِأَخِي مُعَاوِيَةَ قَالَ فَقَالَ النَّبِيُّ ﷺ: (قَدْ سَأَلْتِ اللَّهَ لِآجَالٍ مَضْرُوبَةٍ وَأَيَّامٍ مَعْدُودَةٍ وَأَرْزَاقٍ مَقْسُومَةٍ لَنْ يُعَجِّلَ شَيْئًا قَبْلَ حِلِّهِ أَوْ يُؤَخِّرَ شَيْئًا عَنْ حِلِّهِ وَلَوْ كُنْتِ سَأَلْتِ اللَّهَ أَنْ يُعِيذَكِ مِنْ عَذَابٍ فِي النَّارِ أَوْ عَذَابٍ فِي الْقَبْرِ كَانَ خَيْرًا وَأَفْضَلَ) (1).

وأخرج ابن سعد، عن عائشة رضي الله عنها قالت: دعتني أم حبيبة عند موتها فقالت: قد كان يكون بيننا ما يكون بين الضرائر، فحلليني من ذلك، فحللتها واستغفرت لي واستغفرت لها، فقالت لي: سررتني سرك الله. وأرسلت إلى أم سلمة بمثل ذلك. رضي الله عنهن جميعاً (2).

توفيت أم حبيبة في المدينة سنة أربع وأربعين من الهجرة، رحمها الله تعالى ورضي عنها.

______________________

1. رواه مسلم (2663).

2. "شرح الزرقاني على المواهب" (3/ 245).

مواد ذات صلة