﴿ وَمَا أَرْسَلْنَاكَ إِلا رَحْمَةً لِلْعَالَمِينَ

الوصول إلى المدينة

السبت 22 رمضان 1443, السبت 23 أبريل 2022

بلغ الأنصار خروج رسول الله ﷺ من مكة. فكانوا يخرجون كل يوم إلى الحرة ينتظرونه فإذا اشتد حر الشمس رجعوا إلى منازلهم. فلما كان يوم الإثنين ثاني عشر ربيع الأول - على رأس ثلاث عشرة سنة من نبوته - خرجوا على عادتهم فلما حميت الشمس رجعوا. وكان رجل من يهود على أطم (1) من آطام المدينة فرأى رسول الله ﷺ وأصحابه فصرخ: يا بني قيلة (2) هذا صاحبكم قد جاء، فثار الأنصار إلى السلاح ليتلقوا رسول الله ﷺ.

وأحدق الناس بالرسول ﷺ يسلمون عليه بتحية النبوة، وكبر المسلمون، وكان يوماً مشهوداً في حياة المدينة شهده الكبار والصغار والرجال والنساء. قال البراء: فما رأيت الناس فرحوا بشيء فرحهم به حتى جعل النساء والصبيان والإماء يقلن: قدم رسول الله، جاء رسول الله. 

ولما دخل المدينة نزل بقباء في بني عمرو بن عوف على كلثوم بن الهدم وأقام فيهم أربع عشرة ليلة وأسس مسجد قباء. وهو أول مسجد أسس بعد النبوة، وهو المسجد الذي أسس على التقوى.

وأقام علي رضي الله عنه بمكة ثلاث ليال حتى أدى عن رسول الله ﷺ الودائع التي كانت عنده للناس حتى إذا فرغ منها لحق برسول الله ﷺ فنزل معه على كلثوم بن الهدم.

ثم ركب ﷺ يوم الجمعة وأدركته الجمعة في بني سالم بن عوف فجمع بهم ثم ركب فأخذوا بخطام راحلته، يقولون: هلم إلى القوة والمنعة والسلاح فيقول: (خلوا سبيلها إنها مأمورة. .) وهكذا لا يمر بدار من دور الأنصار إلا رغبوا إليه في النزول عليهم. . فيقول: (دعوها فإنها مأمورة).

_______________________

(1) أطم: هو الحصن.

(2) قيلة: هي أم الأوس والخزرج.



سارت حتى وصلت لموضع المسجد فبركت ولم ينزل عنها، حتى نهضت وسارت قليلاً ثم رجعت وبركت في موضعها الأول، فنزل عنها وقال: هاهنا المقام إن شاء الله. وكان ذلك في بني النجار أخواله ﷺ، وبادر أبو أيوب الأنصاري فحمل رحل رسول الله ﷺ فأدخله بيته والناس يدعونه فقال: (المرء مع رحله).

فأقام في بيت أبي أيوب حتى بنى حجره ومسجده ﷺ.

تأملات:

ما أخرانا بعد سرد وقائع الهجرة المباركة أن نقف لنعي بعض الدروس المستفادة وما أكثرها.

 1- أخر من يخرج:

هاجر المسلمون جميعاً ولم يبق إلا الرسول ﷺ، وأبو بكر وعلي (1)، بأمر منه ﷺ وهكذا تتأخر القيادة حتى تطمئن إلى سلامة الأفراد جميعهم، فكلهم مهم وله مكانته من نفس القيادة، وإن أي خطأ في هذا المفهوم يعد خطأ كبيراً يستحق التنبيه واللوم، ولمثل هذا نزل قوله تعالى:

{عَبَسَ وَتَوَلَّىٰٓ}.

إن المؤمنين جميعاً ينبغي أن تتوفر لهم الرعاية الكاملة، ولذا قدمهم رسول الله ﷺ على نفسه ولا غرابة فقد وصفه القرآن بهذا الخلق الرفيع

{ٱلنَّبِىُّ أَوْلَىٰ بِٱلْمُؤْمِنِينَ مِنْ أَنفُسِهِمْ ۖ }.

إن أي قيادة في مجتمع صالح إنما مهمتها الحرص على مصالح الأفراد. ويتنازل القادة عن شيء من راحتهم ورفاهيتهم في سبيل أداء الواجب. فالقيادة تكليف وأمانة ومسؤولية، وليست مغنماً على حساب المساكين والضعفاء.

2- أداء الودائع:

وتأخر علي رضي الله عنه لأداء الودائع التي كانت عند رسول الله ﷺ لأصحابها، وغريب ما حدث، إنسان يطارد ويلاحق ويبتلى، والذين يفعلون ذلك هم أنفسهم لا يجدون مكانا لثقتهم غيره فتكون أماناتهم عنده.

_______________________

(1) وكذلك من حبس بمكة من المسلمين ومنع من الهجرة. 



إن محمداً في مثل ظروفه الصعبة التي غادر فيها مكة لو لم يؤد هذه الأمانات إلى أصحابها لكان معذوراً، فهو في وضع لا مجال فيه للتفكير بغيره، ولكن الأمانة صفة أصيلة في نفوس المؤمنين فإن عذرهم الناس في عدم رعايتها، فإنهم لا يعذرون أنفسهم. وبقي على ثلاثة أيام يؤدي هذه الودائع لأصحابها.

وهكذا تعلم المسلمون أن الأمانة لا تتجزأ ولا ينظر إليها من خلال أصحابها أو أوصافهم. . ولا يختلف مفهومها من حين لآخر ومن مكان لآخر.

3- الأسباب. . . والتوكل:

إن التخطيط والإعداد المسبق لأي أمر يعد من سمات العصر الحاضر الذي تسيطر فيه الحياة المادية على كل شيء، ويغيب فيه الجانب الروحي المشرق تحت سيطرة الأنظمة المادية وقوانينها.

 هكذا يظن بعضهم، وإذا كنت متوكلاً على الله فدع الأمور تجري كما هي ولا تتدخل بشيء. . . ولا تخطط ولا تحذر. . ؟!

وفي الهجرة درس رائع في أخذ الحيطة والحذر، درس في التخطيط، التخطيط للأمر الكبير وللجزئية الصغيرة. وإن أي إنسان مادي - لا يؤمن إلا بالمادة - لو وضع في موضع رسول الله ﷺ بالنسبة للهجرة وطلب إليه الإعداد لها لن يستطيع أن يفعل ما فعله عليه السلام فضلاً عن أن يزيد عليه. ودعونا نستعرض بعض ذلك:

- جاء ﷺ إلى بيت أبي بكر في وقت شدة الحر - الوقت الذي لا يخرج فيه أحد - بل لم يكن من عادته أن يأتي به. لماذا؟ حتى لا يراه أحد.

- ويأمر أبا بكر أن يخرج من عنده، ولما تكلم لم يبين إلا أمر الإذن بالهجرة دون تحديد الاتجاه

- وكان الخروج ليلاً، ومن باب خلفي في بيت أبي.

واختير الغار في جهة الجنوب الغربي من مكة لتضليل القوم علماً بأنه في الجانب المقابل للطريق المؤدية إلى المدينة.

- إجراءات المكوث في الغار كانت في غاية الدقة. ثلاثة أيام موعد مسبق يعلمه الدليل، تأمين عملية المعرفة لما يدبره القوم حتى يمكن تلافي ما قد يجد على الموقف، وتأمين عملية إعفاء أثر عبد الله يغنم غامر. . إنها جزئيات ولكن الخطأ بأي واحد منها قد يكون فيه تعريض الموضوع كله للخطر. .

ثم مجيء عبد الله بعد العشاء ورجوعه قبل الفجر إلى مكة ليشعر القوم أن يبيت معهم في مكة.

- كانت مهمة الدليل سلوك طريق غير معروف تعمية للقوم.

- كان العارفون بسفر رسول الله ﷺ نفر يسير لهم ارتباط وثيق وضروري لتأمين العملية. . علي. . ليلتقي به. . أبو بكر. . يصاحبه. . آل أبي بكر ليؤدوا دورهم في تأمين لوازم السفر الذي نشأ فجأة إثر إخبار جبريل عليه السلام.

وبعد هل هناك حيطة وحذر وتخطيط ودقة في التنفيذ - يمكن أن يقوم به إنسان مادي - أكثر مما فعله رسول الله؟ ما نعتقد ذلك، إن رسول الله صلى الله لم يأت ليغير قانون الأسباب والمسببات فتلك سنة من سنن في الخلق. وإنما جاء ليعلم الناس كيف يكون التعامل مع هذه السنن.

إن اتخاذ الأسباب أمر ضروري وواجب، ولكن لا يعني ذلك دائماً حصول النتيجة، ذلك لأن هذا أمر يتعلق بأمر الله ومشيئته ومن هنا كان التوكل أمراً ضرورياً وهو من باب استكمال اتخاذ الأسباب، إن رسول الله ﷺ أعد كل الأسباب واتخذ كل الوسائل ولكنه في الوقت نفسه مع الله يدعوه ويستنصره أن يكلل سعيه بالنجاح وهنا يستجاب الدعاء، وينصرف القوم بعد أن وقفوا على باب الغار، وتسيخ أرجل فرس سراقة في الأرض. . وهكذا يكلل الله العمل بالنجاح إنه الدرس البليغ الذي يلخصه ﷺ بكلمات وقد جاء أحدهم يسأله هل يترك ناقته بباب المسجد ويتوكل فقال: (إعقلها وتوكل) إن عقلها اتخاذ للأسباب والتوكل عمل القلب مع الله أن تصل الأسباب إلى نتائجها.

4- أحب البلاد:

تلك كلمات عبر رسول الله ﷺ فيها عما تكنه نفسه لمكة من حب، وما يربطه بها من وشائج، فهي البلد الحرام، وهي الموطن الذي نشأ فيه وترعرع، وتشده إليه ذكريات وذكريات (ولولا أن قومك أخرجوني ما خرجت) وليس هناك حب وتقدير للأرض وللوطن أكثر من هذا. والإسلام يكبر هذه العاطفة ويقدرها ولكن ضمن الإطار الذي لا تطغى فيه على العقيدة. إن الأرض كل الأرض هي لله وهي مواطن لعباد الله فاسكن حيث أحببت إذا تيسر لك أن تؤدي واجب العقيدة فإذا تعارض الأمران فالعقيدة أولاً، وهذا ما نفذه المسلمون الأوائل في هجرتهم إلى الحبشة ثم إلى المدينة بتوجيه من رسول الله ﷺ، ثم نفذه عليه السلام بهجرته، وبهذا يقوم البرهان الواضح على ولاء المسلم لعقيدته فهي جنسيته التي يرتبط بها وينتمي إليها.

5- الراحلة بالثمن (1):

لم يقبل رسول الله ﷺ أن يركب الرحلة حتى أخذها بثمنها من أبي بكر رضي الله عنه واستقر الثمن ديناً بذمته.

 قد يستغرب هذا التصرف من رسول الله ﷺ - والموقف من الحراجة بشكل لا يسمح فيه للمناقشة - ولكن أليس هو القدوة، وفي كل المواقف.

_______________________

(1) ورد ذكر الثمن من رواية البخاري وغيره.


 إنه تقرير واضح بأن حملة الدعوة ما ينبغي أن يكونوا عالة على أحد في وقت من الأوقات، فهم مصدر العطاء في كل شيء. إن يدهم إن لم تكن العليا فلن تكون السفلى. وهكذا يصر عليه السلام أن يأخذها بالثمن.

 إن سلوكه هو الترجمة الحقة للقرآن

{وَمَآ أَسْـَٔلُكُمْ عَلَيْهِ مِنْ أَجْرٍ ۖ إِنْ أَجْرِىَ إِلَّا عَلَىٰ رَبِّ ٱلْعَٰلَمِينَ}

(1)

إنه لم يكن ليرزأ أحداً بماله حتى ولو كان أبا بكر وحتى في الظروف الحرجة.

إن الذين يحملون العقيدة والإيمان ويبشرون بهما، ما ينبغي أن تمتد أيديهم إلى أحد - إلا الله - لأن هذا يتناقض مع ما يدعون إليه وقد تعود الناس أن يعوا لغة الحال لأنها أبلغ من لغة المقال.

وما تأخر المسلمون وأصابهم ما أصابهم من الهوان إلا يوم أصبحت وسائل الدعوة والعاملين بها خاضعة للغة المادة. فالكل موظف ينتظر أجره. وتحول العمل إلى عمل مادي فقد الروح والحيوية والوضاءة. . وأصبح للأمر بالمعروف موظفون، وأصبح الخطباء موظفين وأصبح الأئمة موظفين. . وأصبح هؤلاء جميعاً دليلاً على تخلف الأمة وركودها.

إن الصوت الذي ينبعث من حنجرة وراءها الخوف من الله والأمل في رضاه، غير الصوت الذي ينبعث ليتلقى دراهم معدودة، فإذا توقفت توقف الصوت، وقديماً قالوا: ليست النائحة كالثكلي.

ولهذا قل التأثير وبعد الناس عن جادة الصواب وأصبح الإسلام اسماً في سجل، والصلاة حركات لا خشوع فيها ولا اطمئنان. وأصبح الحج مظاهرة بعيدة عن المعاني والقيم التي أرادها الإسلام (2).

_______________________

(1) سورة الشعراء: الآية 109.

(2) هذا ما يسره الله في فهم هذا الموقف، ولأمانة العلم ينبغي أن ننقل ما قيل في هذا الصدد.

قال صاحب المواهب: فإن قلت لم لم يقبلها إلا بالثمن وقد أنفق عليه أبو بكر من ماله ما هو أكثر من هذا فقيل، أجيب: بأنه إنما فعل ذلك لتكون هجرته إلى الله بنفسه وماله رغبة منه عليه السلام في استكمال فضل الهجرة إلى الله تعالى وأن تكون على أتم الأحوال اهـ. ويأتي الزرقاني بالروايات التي بهذا الصدد فيقول:

 روى ابن حبان عن عائشة قال: أنفق أبو بكر على النبي ﷺ أربعين ألف درهم.

-  وفي الصحيح: قوله ﷺ: (ليس أحد من الناس أمن علي في نفسه وماله من أبي بكر).

- وروى الترمذي مرفوعاً: (ما لأحد عندنا يد إلا كافأناه عليها ما خلا أبا بكر فإن له عندنا يداً يكافئه الله بها يوم القيامة). اهـ. الزرقاني 1/ 327.

والمتأمل في هذه النصوص يعرف بها الفضل الكبير الذي كان لأبي بكر رضي الله عنه في بذل ماله في سبيل الدعوة. . وماذا يصنع رسول الله بأربعين ألف درهم - إنما كانت هذه نفقة في سبيل الله ومنها شراء الأرقاء.

وكذلك رواية الصحيح بيان لفضل أبي بكر. وكلامه ﷺ على اعتباره حامل الدعوة وهو الذي يذكر للناس فضلهم باسمها.

ورواية الترمذي: لئن كانت تسجل لأبي بكر موقفاً خاصاً فإنها في الوقت نفسه، تسجل الموقف الآخر وهو أن الرسول ﷺ كافأ كل من كانت له عنده يد إلا أبا بكر وذلك لعامل الصحبة القديمة وعامل المصاهرة. . والله أعلم.



6- سوار كسرى:

رجل مطارد، جائزة العثور عليه هي ديته، يقول لسراقة - الرجل الذي تبعه طمعاً في المغنم -: (كيف بك إذا لبست سواري كسرى) (1)؟ إن سراقة طلب منه كتاب أمن لأنه توقع أن يكون له شأن ولكن ذهنه لم يذهب إلى ذلك البعد. إن كسرى يومئذ هو حاكم أكبر إمبراطورية في العالم. . كيف للعقل أن يتصور زوال ذلك الملك. . وعجب سراقة!!

_______________________

(1) شرح الزرقاني 1/ 348 والروض الأنف، للسهيلي 4/ 218 تحقيق عبد الرحمن الوكيل.



كانت معجزة للنبي ﷺ في مقاييس الناس باعتبارها إخباراً عن أمر مغيب سيحدث في المستقبل، ولكنها بالنسبة للنبي ﷺ لم تكن كذلك. إنها تقدير دقيق لعالم الأسباب. . . إنها معطيات لمقدمات، إن قوة الإيمان التي تصورها رسول الله صلى الله عليه - وهو في الطريق إلى المدينة - وهي تصنع المجتمع الجديد وتجعل الذين كانوا أعداء أخوة متحابين في الله تحكمهم كلمة الله وتسود حياتهم لغة الإيثار. . إن هذا المجتمع الذي كان صورة حققته الدعوة إلى الله إلى واقع. . ولما وجد هذا الواقع. . فمن هو كسرى. . ومن هو قيصر؟

ونودي في جموع الناس - في عهد عمر رضي الله عنه - أين أنت يا سراقة. . وتقدم سراقة. . وألبسه عمر تاج كسرى وسواريه وقال: ارفع يديك وقل: الله أكبر الحمد لله الذي سلبهما كسرى بن هرمز وألبسهما سراقة بن مالك أعرابياً من بني مدلج. . ثم قسم عمر ذلك بين المسلمين.

 

7- التاريخ بالهجرة:

كتب أبو موسى إلى عمر: إنه يأتينا منك كتب ليس لها تاريخ، فجمع عمر الناس فقال بعضهم: أرخ بالمبعث، وبعضهم بالهجرة. فقال عمر: الهجرة فرقت بين الحق والباطل فأرخوا بها. . وبالمحرم لأنه منصرف الناس من حجهم، فاتفقوا عليه وذلك سنة سبع عشرة (1).

 الخطبة الأولى في المدينة:

سبق الحديث أن رسول الله ﷺ لما ارتحل من قباء، وذلك يوم الجمعة، أدركه وقت الزوال وهو في دار بني سالم بن عوف، فصلى بالمسلمين الجمعة هنالك، فكانت أول جمعة صلاها (2).

_______________________

(1) المصدر نفسه 1/ 352.

ا بد للخطبة أن تكون فاعلة في الخطيب نفسه لتكون فعالى في نفوس المصلين، وهذا ما يفسر لنا أسلوبه ﷺ في خطبه. فعن جابر بن عبد الله قال: "إذا خطب احمرت عيناه، وعلا صوته، واشتد غضبه، حتى كأنه منذر حرب يقول: (صبحكم مساكم)، ويقول: (بعثت أنا والساعة كهاتين) ويقرن بين أصبعيه السبابة والوسطى. . ." (1).

وبهذا يستطيع التأثير والفعالية، وإذا أعوزته الفكرة إيضاحاً وبياناً لم يتعاون في استعمال يده ﷺ لزيادة الإيضاح والتقريب بالتمثيل والتشبيه كما هو واضح من نص الحديث.

تلك هي السنة في هذا الجانب الموجه من تعاليم الإسلام، ولكن الأمر آل إلى كثير من الخطباء الذين يحتفظون بخطب مكتوبة، فإذا جاء وقت الجمعة تناولوا خطبة ذلك الأسبوع حسب الترتيب، ثم صعدوا المنبر لقراءتها باردة ميتة قد جلل العفن وجهها من تقادم الأيام. وكثيراً ما تكون بعيدة عن واقع الناس، أو في غير وقتها المناسب.

 ما فائدة أن تعظ المصلين، الذين أتوا إلى المسجد، فتحضهم على الصلاة، وتحض الصائمين في رمضان على الصيام، وفي مجتمع هؤلاء وأولئك من الانحراف، وفي بيوتهم من الفساد، وفي تعاملهم من مخالفة شرع الله تعالى، وفي سلوكهم الشخصي أو الاجتماعي من مخالفة للإسلام ما الله به عليم.

 وما زاد الطين بلة، أن خطبة الجمعة غايتها - في كثير من بلاد المسلمين - أصبحت عملاً وظيفياً مأجوراً، فأضحت غايتها في أذهان القائمين بها، سد فراغ وملء وقت، وهذا ما جعل المنابر يرتقيها من ليس أهلاً لها ديناً ووعياً وفكراً، وباتت الموضوعات معلومة للمصلين حينما يبدأ الخطيب صدر خطبته.

_______________________

(1) صحيح مسلم برقم (867). وقد حكى عبد الله بن عمر كيف كان المنبر يتحرك بحركة رسول الله ﷺ: (. . حتى نظرت إلى المنبر يتحرك من أسفل شيء منه حتى إني لأقول الساقط هو برسول الله ﷺ) رواه مسلم (2788).

مواد ذات صلة