﴿ وَمَا أَرْسَلْنَاكَ إِلا رَحْمَةً لِلْعَالَمِينَ

وجوب قضاء دين من مات معسراً

الإثنين 09 جمادى الأولى 1443, الاثنين 13 ديسمبر 2021

نقل ابن طولون عن جمهور الشافعية: أن من الواجبات التي خص بها رسول الله ﷺ قضاء دين من مات من المسلمين معسراً، عند اتساع المال عليه ﷺ وقال: هذا هو الصحيح عند الجمهور (4).

______________________

4. مرشد المحتار ص 92.


 

واستدلوا بالحديث المتفق عليه، 

عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ ﷺ كَانَ يُؤْتَى بِالرَّجُلِ الْمُتَوَفَّى عَلَيْهِ الدَّيْنُ فَيَسْأَلُ هَلْ تَرَكَ لِدَيْنِهِ فَضْلًا فَإِنْ حُدِّثَ أَنَّهُ تَرَكَ لِدَيْنِهِ وَفَاءً صَلَّى وَإِلَّا قَالَ لِلْمُسْلِمِينَ صَلُّوا عَلَى صَاحِبِكُمْ فَلَمَّا فَتَحَ اللَّهُ عَلَيْهِ الْفُتُوحَ قَالَ أَنَا أَوْلَى بِالْمُؤْمِنِينَ مِنْ أَنْفُسِهِمْ فَمَنْ تُوُفِّيَ مِنْ الْمُؤْمِنِينَ فَتَرَكَ دَيْنًا فَعَلَيَّ قَضَاؤُهُ وَمَنْ تَرَكَ مَالًا فَلِوَرَثَتِهِ)

(1).

 والواقع أن الاتفاق على خصوصية هذه المسألة غير قائم.

 فقد حكى إمام الحرمين قولاً لبعضهم في النهاية؛ أن ذلك غير واجب عليه (2) ثم قال: وهو غير سديد.

وجزم الماوردي (3): بأن ذلك لم يكن واجباً عليه، بل كان يفعله تكرماً (4).

وقال صاحب المواهب: والخلاف وجهان لأصحابنا وغيرهم (5).

 وقال في فتح الباري: قال العلماء: كأن الذي فعله ﷺ من ترك الصلاة على من عليه دين ليحرض الناس على قضاء الديون في حياتهم والوصل إلى البراءة منها لئلا تفوتهم صلاة النبي ﷺ (6).

______________________

1. متفق عليه (خ 2298، م 1619).

2. مرشد المحتار ص 93.

3. هو: علي بن محمد بن حبيب أبو الحسن الماوردي، أقضى قضاة عصره، من العلماء الباحثين، أصحاب التصانيف الكثيرة، توفي في بغداد سنة (450 هـ). 

4. غاية السول ص 103.

5. المواهب اللدنية للقسطلاني 2/ 602 ومراده أن الأمر مختلف فيه عند الشافعية وعند غيرهم.

6. فتح الباري 4/ 478.

 

وما جاء في فتح الباري هو الصواب في هذه المسألة، وقد كنت توصلت إلى هذا الرأي قبل أن أراه في الفتح، أثناء دراستي للوضع الاقتصادي في المدينة إبان حياته صلى الله عليه وسلم وبيان الخطوات التربوية التي اتخذها في هذا الميدان والتي غايتها الوصول إلى الاكتفاء الذاتي لكل فرد، وذلك في الأزمة الاقتصادية التي كانت في السنوات الأولى بعد الهجرة. وكان مما قلته بعد ذكر هذا الحديث:

 "وإذا علمنا كم هو حرص كل صحابي إذا مات أن يصلي عليه رسول الله صلى الله عليه وسلم، بل حرص المسلمين كلهم، تبين لنا أن هناك إرشاداً نبوياً كريماً غير مباشر بالابتعاد عن الدين، وهذه قضية كما وضحنا تحتاج إلى اتخاذ العدة لها من صبر أحياناً وتنازل عن بعض الحاجيات أو الضروريات أحياناً أخرى" (1).

 وكان ذلك لمدة معينة، فلما مضى وقت الشدة وفتحت خيبر، وكما جاء في الحديث: (فلما فتح الله عليه الفتوح) أعلن انتهاء ذلك التدبير المؤقت.

 ومهما يكن من أمر، فليس للخصوصية وجه في هذه المسألة، وعندما نقول: إن ذلك واجب عليه، فيلزم أن تجر القضية ويقال: إنه أيضاً واجب على الإمام أو الدولة أن تقوم بذلك تأسياً بفعله صلى الله عليه وسلم. فليس هناك نص يخصه بالوجوب دون غيره ممن يقومون بشؤون المسلمين.

______________________

1. السيرة النبوية تربية أمة وبناء دولة، للمؤلف ص 251.

مواد ذات صلة