﴿ وَمَا أَرْسَلْنَاكَ إِلا رَحْمَةً لِلْعَالَمِينَ

دعوة أهل الطائف

الخميس 16 ربيع الأوّل 1446, الخميس 19 سبتمبر 2024

ولما هلك أبو طالب نالت قريش من رسول الله صلى الله عليه وسلم من الأذى ما لم تكن تنال منه في حياة عمه أبي طالب، فخرج رسول الله صلى الله عليه وسلم إلى الطائف، يلتمس النصرة من ثقيف، والمنعة بهم من قومه، ورجاء أن يقبلوا منه ما جاءهم به من الله عز وجل، فخرج إليهم وحده.

عن محمد بن كعب القرظي، قال:

لما انتهى رسول الله صلى الله عليه وسلم إلى الطائف، عمد إلى نفر من ثقيف، هم يومئذ سادة ثقيف وأشرافهم، وهم إخوة ثلاثة: عبد ياليل بن عمرو بن عمير، ومسعود بن عمرو بن عمير، وحبيب بن عمرو بن عمير بن عوف بن عقدة بن غيرة بن عوف بن ثقيف، وعند أحدهم امرأة من قريش من بني جمح، فجلس إليهم رسول الله صلى الله عليه وسلم، فدعاهم إلى الله، وكلمهم بما جاءهم له من نصرته على الإسلام، والقيام معه على من خالفه من قومه، فقال له أحدهم:

هو يمرط -ينزعه ويرمي به- ثياب الكعبة إن كان الله أرسلك، وقال الآخر: أما وجد الله أحدا يرسله غيرك! وقال الثالث: والله لا أكلمك أبدا. لئن كنت رسولا من الله كما تقول، لأنت أعظم خطرا من أن أرد عليك الكلام، ولئن كنت تكذب على الله، ما ينبغي لي أن أكلمك. فقام رسول الله صلى الله عليه وسلم من عندهم وقد يئس من خبر ثقيف، وقد قال لهم- فيما ذكر لي-: إذا فعلتم ما فعلتم فاكتموا عني، وكره رسول الله صلى الله عليه وسلم أن يبلغ قومه عنه، فيذئرهم ذلك عليه.

فلم يفعلوا، وأغروا به سفهاءهم وعبيدهم، يسبونه ويصيحون به، حتى اجتمع عليه الناس، وألجئوه إلى حائط -بستان- لعتبة بن ربيعة وشيبة بن ربيعة، وهما فيه، ورجع عنه من سفهاء ثقيف من كان يتبعه، فعمد إلى ظل حبلة -شجرة- من عنب، فجلس فيه. وابنا ربيعة ينظران إليه، ويريان ما لقي من سفهاء أهل الطائف، وقد لقي رسول الله صلى الله عليه وسلم- فيما ذكر لي- المرأة التي من بني جمح، فقال لها: ماذا لقينا من أحمائك؟ فلما اطمأن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال- فيما ذكر لي-: اللهم إليك أشكو ضعف قوتي، وقلة حيلتي، وهواني على الناس، يا أرحم الراحمين، أنت رب المستضعفين، وأنت ربي، إلى من تكلني؟ إلى بعيد يتجهمني ؟ أم إلى عدو ملكته أمري؟ إن لم يكن بك علي غضب فلا أبالي، ولكن عافيتك هي أوسع لي، أعوذ بنور وجهك الذي أشرقت له الظلمات، وصلح عليه أمر الدنيا والآخرة من أن تنزل بي غضبك، أو يحل علي سخطك، لك العتبى حتى ترضى، ولا حول ولا قوة إلا بك. [السيرة النبوية لابن هشام 1/419 -420].

الدروس المستفادة

الدروس المستفادة من هذا الحدث

  • الثبات على الحق وتحمل كل الأهوال والأذى والمشقات في سبيل الدعوة إلى الله
  •  الدفاع عن الرسول والرسالة بالنفس والنفيس.
  • صاحب الدعوة يعمل لدعوته حتى في أوقات الراحة، فمع أنه صلى الله عليه وسلم مصاب إلا أنه رغم الأوجاع والآلام والإصابات البالغة في جسده الشريف، عمل في دعوة الغلام (عداس) إلى الإسلام 
  • ما كان يلاقيه الرسول صلى الله عليه وسلم من ألوان المحن، دروس للأمة أنهم مكلفون بالسعي للدين، ويجب عليهم السعي والحركة والبذل والتضحية من أجل الدين ثم الصبر، وبين لهم كيفية تطبيق الصبر والمصابرة اللذين أمر الله بهما في قوله تعالى:

{ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اصْبِرُوا وَصَابِرُوا وَرَابِطُوا وَاتَّقُوا اللَّهَ لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ }

[آل عمران200]

  • الصبر ومصارعة الشدائد في سبيل الله من أجل نصرة الحق والدعوة إلى الله من أهم مباديء الإسلام التي بُعث بها رسول الله صلى الله عليه وسلم للناس كافة.
  • الشكوى إلى الله تعبد، والضراعة له والتذلل على بابه تقرّب وطاعة، وإذا ابتلاك بمحن أو بمصائب فَلِحِكَمٍ علمتها أم لا، ولو عافاك فتفضلاً
  • الدعاء من أعظم العبادات وأقوى الذخائر والعُدد التي يعدها المؤمن لمجابهة أعدائه