﴿ وَمَا أَرْسَلْنَاكَ إِلا رَحْمَةً لِلْعَالَمِينَ

سرية خضرة بقيادة أبي قتادة

الخميس 16 ربيع الأوّل 1446, الخميس 19 سبتمبر 2024

سرية خَضِرَة، أميرها أبو قتادة في شعبان سنة ثمان

حدثنا الواقدي قال: حدثني محمد بن سهل بن أبي حثمة، عن أبيه، قال: قال عبد الله بن أبي حدرد الأسلمي: تزوجت ابنة سراقة بن حارثة اللجارى وكان قتل ببدر، فلم أصب شيئا من الدنيا كان أحب إلي من مكانها، فأصدقتها مائتي درهم، فلم أجد شيئا أسوقه إليها فقلت:

على الله وعلى رسوله المعول. فجئت النبي ﷺ فأخبرته، فقال:

كم سقت إليها! قلت: مائتي درهم. فقال: لو كنتم تغترفونه من ناحية بطحان ما زدتم. فقلت: يا رسول الله، أعني في صداقها. فقال رسول الله ﷺ: ما وافقت عندنا شيئا أعينك به، ولكني قد أجمعت أن أبعث أبا قتادة في أربعة عشر رجلا [في سرية] ، فهل لك أن تخرج فيها؟

فإني أرجو أن يغنمك الله مهر امرأتك. فقلت: نعم. فخرجنا فكنا ستة عشر رجلا بأبي قتادة وهو أميرنا، وبعثنا إلى غطفان نحو نجد فقال: سيروا الليل واكمنوا النهار، وشنوا الغارة، ولا تقتلوا النساء والصبيان.

فخرجنا حتى جئنا ناحية غطفان، فهجمنا على حاضر منهم عظيم. قال: وخطبنا أبو قتادة وأوصانا بتقوى الله عز وجل، وألف بين كل رجلين وقال: لا يفارق كل رجل زميله حتى يقتل أو يرجع إلي فيخبرني خبره، ولا يأتني رجل فأسأل عن صاحبه فيقول، لا علم لي به! وإذا كبرت فكبروا، وإذا حملت فاحملوا، ولا تمعنوا في الطلب. فأحطنا بالحاضر فسمعت رجلا يصرخ: يا خضرة! فتفاءلت وقلت: لأصيبن خيرا ولأجمعن إلي امرأتي! وقد أتيناهم ليلا. قال: فجرد أبو قتادة سيفه وجردنا سيوفنا، وكبر وكبرنا معه، فشددنا على الحاضر فقاتل رجال، وإذا برجل طويل قد جرد سيفه صلتا، وهو يمشي القهقرى ويقول: يا مسلم، هلم إلى الجنة! فاتبعته ثم قال: إن صاحبكم لذو مكيدة، وإن أمره هو الأمر. وهو يقول:

الجنة! الجنة! يتهكم بنا. فعرفت أنه مستقبل فخرجت فى أثره، فينادينى صاحبي: لا تبعد، فقد نهانا أميرنا أن نمعن فى الطلب! فأدركته فرميته على جريداء متنه، ثم قال: ادن يا مسلم إلى الجنة! فرميته حتى قتلته بنبلي، ثم وقع ميتا فأخذت سيفه. وجعل زميلي ينادي: أين تذهب؟ إني والله إن ذهبت إلى أبي قتادة فسألني عنك أخبرته. قال: فلقيته قبل أبي قتادة فقلت: أسأل أميري عني؟ فقال: نعم، وقد تغيظ علي وعليك.

وأخبرني أنهم جمعوا الغنائم- وقتلوا من أشرف لهم- فجئت أبا قتادة فلامني فقلت: قتلت رجلا كان من أمره كذا وكذا، فأخبرته بقوله كله.

ثم استقنا النعم، وحملنا النساء، وجفون السيوف معلقة بالأقتاب.

فأصبحت- وبعيري مقطور بامرأة كأنها ظبي، فجعلت تكثر الالتفات خلفها وتبكي، قلت: إلى أي شيء تنظرين؟ قالت: أنظر والله إلى رجل لئن كان حيا ليستنقذنا منكم. فوقع في نفسي أنه الذي قتلته فقلت: قد والله قتلته، وهذا سيفه معلق بالقتب إلى غمده، فقالت: هذا والله غمد سيفه، فشمه إن كنت صادقا. قال: فشمته فطبق قال:

فبكت ويئست. قال ابن أبي حدرد: فقدمنا على النبي ﷺ بالنعم والشاء.

فحدثني أبو مودود، عن عبد الرحمن بن عبد الله بن أبي حدرد، عن أبيه، قال: لما رجعت من غزوة خضرة وقد أصبنا فيئا، سهم كل رجل اثنا عشر بعيرا، دخلت بزوجتي فرزقني الله خيرا.

وحدثني عبد الله بن جعفر، عن جعفر بن عمرو، قال: غابوا خمس عشرة ليلة، وجاءوا بمائتي بعير وألف شاة، وسبوا سبيا كثيرا. وكان الخمس معزولا، وكان سهمانهم اثني عشر بعيرا، يعدل البعير بعشر من الغنم.

حدثني ابن أبي سبرة، عن إسحاق بن عبد الله، عن عبد الرحمن بن عبد الله بن أبي حدرد، عن أبيه، قال: أصبنا في وجهنا أربع نسوة، فيهن فتاة كأنها ظبي، من الحداثة والحلاوة شيء عجب، وأطفال من غلمان وجوار، فاقتسموا السبي وصارت تلك الجارية الوضيئة لأبي قتادة. فجاء محمية بن جزء الزبيدي فقال: يا رسول الله، إن أبا قتادة قد أصاب في وجهه هذا جارية وضيئة، وقد كنت وعدتني جارية من أول فيء يفيء الله عليك. قال: فأرسل رسول الله ﷺ إلى أبي قتادة فقال:

ما جارية صارت في سهمك؟ قال: جارية من السبي هي أوضأ ذلك السبي، أخذتها لنفسي بعد أن أخرجنا الخمس من المغنم. قال: هبها لي. فقال: نعم، يا رسول الله. فأخذها رسول الله ﷺ فدفعها إلى محمية بن جزء الزبيدي. [مغازي الواقدي 2/777 – 780]

الدروس المستفادة

الدروس المستفادة من هذا الحدث

  • هدف الإسلام في القتال الدعوة لا زهق الأرواح، وهذا ما يجعل أخلاق المسلمين في الحروب عالية يضرب بها المثل في كل مكان ويتضح من تلك السرية عدم إمعان الطلب في القتل، عدم قتل النساء والصبية، وتقوى الله.
  • حسن تدبير القائد المسلم: جعل كل اثنين متلازمين بالقتال، الكمون نهارا خشية افتضاح أمر التحرك.
  • التربية الجهادية للصحابة: كان ابن حدرد قد جاء النبي يطلب نكاحا فأرسله النبي للجهاد طلبا للمهر!
  • وفاء النبي: الجارية التي وهبها النبي لأحد الصحابة.