﴿ وَمَا أَرْسَلْنَاكَ إِلا رَحْمَةً لِلْعَالَمِينَ

غزوة بني النضير

الخميس 16 ربيع الأوّل 1446, الخميس 19 سبتمبر 2024

(خروج الرسول إلى بني النضير يستعينهم في دية قتلى بني عامر وهمهم بالغدر به) :

قال ابن إسحاق: ثم خرج رسول الله ﷺ إلى بني النضير يستعينهم في دية ذينك القتيلين من بني عامر، اللذين قتل عمرو بن أمية الضمري، للجوار الذي كان رسول الله ﷺ عقد لهما، كما حدثني يزيد بن رومان، وكان بين بني النضير وبين بني عامر عقد وحلف.

فلما أتاهم رسول الله ﷺ يستعينهم في دية ذينك القتيلين، قالوا نعم، يا أبا القاسم، نعينك على ما أحببت، مما استعنت بنا عليه. ثم خلا بعضهم ببعض، فقالوا: إنكم لن تجدوا الرجل على مثل حاله هذه- ورسول الله ﷺ إلى جنب جدار من بيوتهم قاعد- فمن رجل يعلو على هذا البيت، فيلقي عليه صخرة، فيريحنا منه؟ فانتدب لذلك عمرو بن جحاش بن كعب، أحدهم، فقال: أنا لذلك، فصعد ليلقي عليه صخرة كما قال، ورسول الله ﷺ في نفر من أصحابه، فيهم أبو بكر وعمر وعلي، رضوان الله عليهم.

(انكشاف نيتهم للرسول واستعداده لحربهم) :

فأتى رسول الله ﷺ الخبر من السماء بما أراد القوم، فقام وخرج راجعا إلى المدينة. فلما استلبث النبي ﷺ أصحابه، قاموا في طلبه، فلقوا رجلا مقبلا من المدينة، فسألوه عنه، فقال: رأيته داخلا المدينة. فأقبل أصحاب رسول الله ﷺ، حتى انتهوا إليه ﷺ، فأخبرهم الخبر، بما كانت اليهود أرادت من الغدر به، وأمر رسول الله ﷺ بالتهيؤ لحربهم، والسير إليهم.

قال ابن هشام: واستعمل على المدينة ابن أم مكتوم.

قال ابن إسحاق: ثم سار بالناس حتى نزل بهم.

قال ابن هشام: وذلك في شهر ربيع الأول، فحاصرهم ست ليال، ونزل تحريم الخمر

(حصار الرسول لهم وتقطيع نخلهم) :

قال ابن إسحاق: فتحصنوا منه في الحصون، فأمر رسول الله ﷺ بقطع النخيل والتحريق فيها، فنادوه: أن يا محمد، قد كنت تنهى عن الفساد، وتعيبه على من صنعه، فما بال قطع النخل وتحريقها؟

(تحريض الرهط لهم ثم محاولتهم الصلح) :

وقد كان رهط من بني عوف بن الخزرج، منهم (عدو الله) عبد الله بن أبي ابن سلول (و) وديعة ومالك بن أبي قوقل، وسويد وداعس، قد بعثوا إلى بني النضير: أن اثبتوا وتمنعوا، فإنا لن نسلمكم، إن قوتلتم قاتلنا معكم، وإن أخرجتم خرجنا معكم، فتربصوا ذلك من نصرهم، فلم يفعلوا، وقذف الله في قلوبهم الرعب، وسألوا رسول الله ﷺ أن يجليهم ويكف عن دمائهم، على أن لهم ما حملت الإبل من أموالهم إلا الحلقة، ففعل. فاحتملوا من أموالهم ما استقلت به الإبل، فكان الرجل منهم يهدم بيته عن نجاف بابه، فيضعه على ظهر بعيره فينطلق به. فخرجوا إلى خيبر، ومنهم من سار إلى الشام.

(من هاجر منهم إلى خيبر) :

فكان أشرافهم من سار منهم إلى خيبر: سلام بن أبي الحقيق، وكنانة ابن الربيع بن أبي الحقيق، وحيي بن أخطب. فلما نزلوها دان لهم أهلها.

قال ابن إسحاق: فحدثني عبد الله بن أبي بكر أنه حدث: أنهم استقلوا بالنساء والأبناء والأموال، معهم الدفوف والمزامير، والقيان يعزفن خلفهم، وإن فيهم لأم عمرو صاحبة عروة بن الورد العبسي، التي ابتاعوا منه، وكانت إحدى نساء بني غفار، بزهاء وفخر ما رئي مثله من حي من الناس في زمانهم.

(تقسيم الرسول أموالهم بين المهاجرين) :

وخلوا الأموال لرسول الله ﷺ، فكانت لرسول الله ﷺ خاصة، يضعها حيث يشاء، فقسمها رسول الله ﷺ على المهاجرين الأولين دون الأنصار. إلا أن سهل بن حنيف وأبا دجانة سماك ابن خرشة ذكرا فقرا، فأعطاهما رسول الله ﷺ.

(من أسلم من بني النضير) :

ولم يسلم من بني النضير إلا رجلان: يامين بن عمير، أبو كعب بن عمرو ابن جحاش، وأبو سعد بن وهب، أسلما على أموالهما فأحرزاها.

(تحريض يامين على قتل ابن جحاش) :

قال ابن إسحاق- وقد حدثني بعض آل يامين: أن رسول الله ﷺ قال ليامين: ألم تر ما لقيت من ابن عمك، وما هم به من شأني؟ فجعل يامين ابن عمير لرجل جعلا على أن يقتل له عمرو بن جحاش، فقتله فيما يزعمون.

(ما نزل في بني النضير من القرآن) :

ونزل في بني النضير سورة الحشر بأسرها، يذكر فيها ما أصابهم الله به من نقمته. وما سلط عليهم به رسوله ﷺ، وما عمل به فيهم، فقال تعالى: هُوَ الَّذِي أَخْرَجَ الَّذِينَ كَفَرُوا مِنْ أَهْلِ الْكِتابِ مِنْ دِيارِهِمْ لِأَوَّلِ الْحَشْرِ، مَا ظَنَنْتُمْ أَنْ يَخْرُجُوا، وَظَنُّوا أَنَّهُمْ مانِعَتُهُمْ حُصُونُهُمْ مِنَ اللَّهِ، فَأَتاهُمُ اللَّهُ مِنْ حَيْثُ لَمْ يَحْتَسِبُوا، وَقَذَفَ فِي قُلُوبِهِمُ الرُّعْبَ، يُخْرِبُونَ بُيُوتَهُمْ بِأَيْدِيهِمْ وَأَيْدِي الْمُؤْمِنِينَ [59: 2]، وذلك لهدمهم بيوتهم عن نجف أبوابهم إذا احتملوها. فَاعْتَبِرُوا يَا أُولِي الْأَبْصارِ، وَلَوْلا أَنْ كَتَبَ اللَّهُ عَلَيْهِمُ الْجَلاءَ [59: 2- 3] وكان لهم من الله نقمة،  لَعَذَّبَهُمْ فِي الدُّنْيا [ 59: 3] : أي بالسيف، وَلَهُمْ فِي الْآخِرَةِ عَذابُ النَّارِ [59: 3] مع ذلك. مَا قَطَعْتُمْ مِنْ لِينَةٍ أَوْ تَرَكْتُمُوها قائِمَةً عَلى أُصُولِها [ 59: 5] واللينة: ما خالف العجوة من النخل فَبِإِذْنِ اللَّهِ [59: 5] أي فبأمر الله قطعت، لم يكن فسادا، ولكن كان نقمة من الله وَلِيُخْزِيَ الْفاسِقِينَ [59: 5].

وَما أَفاءَ اللَّهُ عَلى رَسُولِهِ مِنْهُمْ [59: 6] - قال ابن إسحاق: يعني من بني النضير- فَما أَوْجَفْتُمْ عَلَيْهِ مِنْ خَيْلٍ وَلا رِكابٍ، وَلكِنَّ اللَّهَ يُسَلِّطُ رُسُلَهُ عَلى مَنْ يَشاءُ، وَالله عَلى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ [59: 6] أي له خاصة.

قال ابن هشام: أوجفتم: حركتم وأتعبتم في السير.

مَا أَفاءَ اللَّهُ عَلى رَسُولِهِ مِنْ أَهْلِ الْقُرى فَلِلَّهِ وَلِلرَّسُولِ [59: 7] - قال ابن إسحاق: ما يوجف عليه المسلمون بالخيل والركاب، وفتح بالحرب عنوة فلله وللرسول- وَلِذِي الْقُرْبى وَالْيَتامى وَالْمَساكِينِ وَابْنِ السَّبِيلِ، كَيْ لَا يَكُونَ دُولَةً بَيْنَ الْأَغْنِياءِ مِنْكُمْ، وَما آتاكُمُ الرَّسُولُ فَخُذُوهُ، وَما نَهاكُمْ عَنْهُ فَانْتَهُوا [ 59: 7]

يقول: هذا قسم آخر فيما أصيب بالحرب بين المسلمين، على ما وضعه الله عليه.

ثم قال تعالى:

أَلَمْ تَرَ إِلَى الَّذِينَ نافَقُوا [ 59: 11] يعني عبد الله بن أبي وأصحابه، ومن كان على مثل أمرهم  يَقُولُونَ لِإِخْوانِهِمُ الَّذِينَ كَفَرُوا مِنْ أَهْلِ الْكِتابِ [ 59: 11] يعني بني النضير، إلى قوله كَمَثَلِ الَّذِينَ مِنْ قَبْلِهِمْ قَرِيباً ذاقُوا وَبالَ أَمْرِهِمْ، وَلَهُمْ عَذابٌ أَلِيمٌ [ 59: 15] يعني بني قينقاع. ثم القصة ... إلَى قَوْلِهِ: كَمَثَلِ الشَّيْطانِ إِذْ قَالَ لِلْإِنْسانِ اكْفُرْ، فَلَمَّا كَفَرَ قَالَ إِنِّي بَرِيءٌ مِنْكَ، إِنِّي أَخافُ اللَّهَ رَبَّ الْعالَمِينَ، فَكانَ عاقِبَتَهُما أَنَّهُما فِي النَّارِ خالِدَيْنِ فِيها، وَذلِكَ جَزاءُ الظَّالِمِينَ [ 59: 16- 17]. قال ابن إسحاق: وقال علي بن أبي طالب: يذكر إجلاء بني النضير، وقتل كعب بن الأشرف. [السيرة النبوية لابن هشام 2/190 – 203]

الدروس المستفادة

الدروس المستفادة من هذا الحدث

  • قادر على تبديل الأحوال كيفما يشاء؛ فقد كانت قوة اليهود كبيرة وحصونهم منيعة ولكنهم تركوها خربة بأيديهم؛ لثبات وعزيمة أصحاب الحق من المسلمين في مواجهتهم وقائدهم النبي الشجاع ﷺ.
  • وجوب الحذر من غدر الخائنين من اليهود فقد نكثوا العهد ودبروا قتل رسول الله ﷺ.