﴿ وَمَا أَرْسَلْنَاكَ إِلا رَحْمَةً لِلْعَالَمِينَ

وفاة الرسول ﷺ

الخميس 16 ربيع الأوّل 1446, الخميس 19 سبتمبر 2024

كيفية احتضاره ووفاته عليه السلام قال الإمام أحمد: حدثنا أبو معاوية، حدثنا الأعمش، عن إبراهيم التيمي، عن الحارث بن سويد، عن عبد الله، هو ابن مسعود، قال: دخلت عل النبي ﷺ وهو يوعك فمسسته.

فقلت: يا رسول الله إنك لتوعك وعكا شديدا.

قال أجل، إني أوعك كما يوعك الرجلان منكم.

قلت: إن لك أجرين.

قال: " نعم، والذي نفسي بيده ما على الأرض مسلم يصيبه أذى من مرض فما سواه إلا حط الله عنه خطاياه كما تحط الشجرة ورقها ".

وقد أخرجه البخاري ومسلم من طرق متعددة عن سليمان بن مهران الأعمش به.

وقال الحافظ أبو يعلى الموصلي في مسنده: حدثنا إسحاق بن أبى إسرائيل، حدثنا عبد الرزاق، أنبأنا معمر، عن زيد بن أسلم، عن رجل، عن أبي سعيد الخدري، وضع يده على النبي ﷺ فقال: والله ما أطيق أن أضع يدي عليك من شدة حماك.

فقال النبي ﷺ: " أنا معشر الأنبياء يضاعف لنا البلاء كما يضاعف لنا الأجر، إن كان النبي من الأنبياء ليبتلى بالقمل حتى يقتله، وإن كان الرجل ليبتلى بالعري حتى يأخذ العباءة فيجوبها، وإن كانوا ليفرحون بالبلاء كما يفرحون بالرخاء ".

فيه رجل مبهم لا يعرف بالكلية، فالله أعلم.

وقد روى البخاري ومسلم من حديث سفيان الثوري وشعبة بن الحجاج، زاد مسلم: وجرير.

ثلاثتهم عن الأعمش، عن أبي وائل شقيق بن سلمة، عن مسروق، عن عائشة قالت: ما رأيت الوجع على أحد أشد منه على رسول الله ﷺ.

وفي صحيح البخاري من حديث يزيد بن الهاد، عن عبد الرحمن بن القاسم، عن أبيه، عن عائشة، قالت: مات رسول الله ﷺ بين حاقنتي وذاقنتى، فلا أكره شدة الموت لاحد بعد النبي ﷺ.

وفي الحديث الآخر الذى رواه [البخاري] في صحيحه قال: قال رسول الله: " أشد الناس بلاء الأنبياء ثم الصالحون، ثم الأمثل فالأمثل، يبتلى الرجل على حسب دينه، فإن كان في دينه صلابة شدد عليه في البلاء ".

وقال الإمام أحمد: حدثنا يعقوب، حدثنا أبي، حدثنا محمد بن إسحاق، حدثني سعيد بن عبيد بن السباق، عن محمد بن أسامة بن زيد، عن أبيه أسامة بن زيد، قال:

لما ثقل رسول الله ﷺ هبطت وهبط الناس معي إلى المدينة، فدخلت على رسول الله وقد أصمت فلا يتكلم، فجعل يرفع يديه إلى السماء ثم يصيبها علي أعرف أنه يدعو لي.

ورواه الترمذي عن أبي كريب، عن يونس بن بكير، عن ابن إسحاق، وقال: حسن غريب.

وقال الامام مالك في موطأه عن إسماعيل عن أبي حكيم، أنه سمع عمر بن عبد العزيز يقول: كان من آخر ما تكلم به رسول الله ﷺ أن قال: " قاتل الله اليهود والنصارى اتخذوا قبور أنبيائهم مساجد، لا يبقين دينان بأرض العرب ".

هكذا رواه مرسلا عن أمير المؤمنين عمر بن عبد العزيز رحمه الله

وقد روى البخاري ومسلم من حديث الزهري، عن عبيد الله بن عبد الله بن عتبة، عن عائشة وابن عباس، قالا: لما نزل برسول الله ﷺ طفق يطرح خميصة (1) له على وجهه فاذا اغتم كشفها عن وجهه.

فقال وهو كذلك: " لعنة الله على اليهود والنصارى اتخذوا قبور أنبيائهم مساجد " يحذر ما صنعوا.

وقال الحافظ البيهقي: أنبأنا أبو بكر بن أبي رجاء الاديب، أنبأنا أبو العباس الأصم، حدثنا أحمد بن عبد الجبار، حدثنا أبو بكر بن عياش، عن الأعمش، عن أبي سفيان، عن جابر بن عبد الله، قال: سمعت رسول الله ﷺ يقول قبل موته بثلاث: أحسنوا الظن بالله.

وفي بعض الأحاديث كما رواه مسلم من حديث الأعمش، عن أبي سفيان طلحة ابن نافع، عن جابر، قال قال رسول الله ﷺ: " لا يموتن أحدكم إلا وهو

حسن الظن بالله تعالى ".

وفي الحديث الآخر يقول الله تعالى: " أنا عند ظن عبدي بي فليظن بي خيرا ".

وقال البيهقي: أنبأنا الحاكم، حدثنا الأصم، حدثنا محمد بن إسحاق الصغاني، حدثنا أبو خيثمة زهير بن حرب، حدثنا جرير، عن سليمان التيمي، عن قتادة، عن أنس، قال: كانت عامة وصية رسول الله ﷺ حين حضره الوفاة: " الصلاة وما ملكت أيمانكم " حتى جعل يغرغر بها وما يفصح بها لسانه.

وقد رواه النسائي عن إسحاق بن راهويه، عن جرير بن عبد الحميد به، وابن ماجه عن أبى الاشعث، عن معتمر بن سليمان، عن أبيه به.

وقال الإمام أحمد: حدثنا أسباط بن محمد، حدثنا التيمى، عن قتادة، عن أنس ابن مالك، قال: كانت عامة وصية رسول الله ﷺ حين حضره الموت:

الصلاة وما ملكت أيمانكم.

حتى جعل رسول الله ﷺ يغرغر بها صدره وما يكاد يفيض بها لسانه.

وقد رواه النسائي وابن ماجه من حديث سليمان بن طرخان، وهو التيمي، عن قتادة عن أنس به.

وفي رواية للنسائي عن قتادة، عن صاحب له، عن أنس به.

وقال أحمد: حدثنا بكر بن عيسى الراسبى، حدثنا عمر بن الفضل، عن نعيم بن يزيد، عن علي بن أبي طالب، قال: أمرني رسول الله ﷺ إن آتيه بطبق يكتب فيه ما لا تضل أمته من بعده.

قال: فخشيت أن تفوتني نفسه.

قال: قلت: إني أحفظ وأعي.

قال: أوصي بالصلاة والزكاة وما ملكت أيمانكم.

تفرد به أحمد من هذا الوجه.

وقال يعقوب بن سفيان: حدثنا أبو النعمان محمد بن الفضيل، حدثنا أبو عوانة، عن قتادة، عن سفينة، عن أم سلمة قالت: كان عامة وصية رسول الله ﷺ عند موته الصلاة وما ملكت أيمانكم حتى جعل يلجلجها في صدره وما يفيض بها لسانه.

وهكذا رواه النسائي عن حميد بن مسعدة، عن يزيد بن زريع، عن سعيد بن أبي عروبة، عن قتادة، عن سفينة عن أم سلمة به.

قال البيهقي: والصحيح ما رواه عفان، عن همام، عن قتادة عن أبي الخليل، عن سفينة عن أم سلمة به.

وهكذا رواه النسائي أيضا وابن ماجه، من حديث يزيد بن هارون، عن همام، عن قتادة، عن صالح أبي الخليل، عن سفينة عن أم سلمة به.

وقد رواه النسائي أيضا عن قتيبة، عن أبى عوانة، عن قتادة، عن سفينة، عن النبي ﷺ فذكره.

ثم رواه عن محمد بن عبد الله بن المبارك عن يونس بن محمد قال: حدثنا عن سفينة فذكر نحوه.

وقال أحمد: حدثنا يونس، حدثنا الليث، عن زيد بن الهاد، عن موسى بن سرجس، عن القاسم، عن عائشة قالت: رأيت رسول الله ﷺ وهو يموت وعنده قدح فيه ماء، فيدخل يده في القدح ثم يمسح وجهه بالماء ثم يقول: اللهم أعني على سكرات الموت.

ورواه الترمذي والنسائي وابن ماجه من حديث الليث به.

وقال الترمذي: غريب.

وقال الإمام أحمد: حدثنا وكيع، عن إسماعيل، عن مصعب بن إسحاق بن طلحة،

عن عائشة، عن النبي ﷺ أنه قال: ليهون علي أني رأيت بياض كف عائشة في الجنة.

تفرد به أحمد وإسناده لا بأس به.

وهذا دليل على شدة محبته عليه السلام لعائشة رضي الله عنها.

وقد ذكر الناس معاني كثيرة في كثرة المحبة ولم يبلغ أحدهم هذا المبلغ، وما ذاك إلا لأنهم يبالغون كلاما لا حقيقة له، وهذا كلام حق لا محالة ولا شك فيه.

وقال حماد بن زيد، عن أيوب، عن ابن أبي مليكة قال: قالت عائشة: توفي رسول الله ﷺ في بيتي وتوفي بين سحري ونحري وكان جبريل يعوذه بدعاء إذا مرض، فذهبت أعوذه فرفع بصره إلى السماء وقال: في الرفيق الأعلى في الرفيق الأعلى.

ودخل عبد الرحمن بن أبي بكر وبيده جريدة رطبة فنظر إليها فظننت أن له بها حاجة، قالت: فأخذتها فنفضتها فدفعتها إليه فاستن بها أحسن ما كان مستنا، ثم ذهب يناولنيها فسقطت من يده.

قالت: فجمع الله بين ريقي وريقه في آخر يوم من الدنيا وأول يوم من الآخرة.

ورواه البخاري عن سليمان بن حرب، عن حماد بن زيد به.

وقال البيهقي: أنبأنا أبو عبد الله الحافظ، أخبرني أبو نصر أحمد بن سهل الفقيه ببخارى، حدثنا صالح بن محمد الحافظ البغدادي، حدثنا داود، عن عمرو بن زهير الضبى، حدثنا عيسى بن يونس، عن عمر بن سعيد بن أبى حسين، أنبأنا ابن أبي مليكة أن أبا عمرو ذكوان مولى عائشة أخبره أن عائشة كانت تقول: إن من نعمة الله على أن رسول الله ﷺ توفي في يومي وفي بيتي وبين سحري ونحري وأن الله جمع بين ريقي وريقه عند الموت.

قالت: دخل علي أخي بسواك معه وأنا مسندة رسول الله ﷺ إلى صدري، فرأيته ينظر إليه.

وقد عرفت أنه يحب السواك ويألفه.

فقلت: آخذه لك؟ فأشار برأسه: أن نعم.

فلينته له، فأمره على فيه.

قالت: وبين يديه ركوة أو علبة فيها ماء، فجعل يدخل يده في الماء فيمسح بها وجهه.

ثم يقول: لا إله إلا الله إن للموت لسكرات.

ثم نصب أصبعه اليسرى وجعل يقول: في الرفيق الأعلى في الرفيق الأعلى.

حتى قبض ومالت يده في الماء.

ورواه البخاري عن محمد عن عيسى بن يونس.

وقال أبو داود الطيالسي: حدثنا شعبة، عن سعد بن إبراهيم، سمعت عروة يحدث عن عائشة قالت: كنا نحدث أن النبي لا يموت حتى يخير بين الدنيا والآخرة.

قالت: فلما كان مرضى رسول الله ﷺ الذي مات فيه عرضت له بحة.

فسمعته يقول: مع الذين أنعم الله عليهم من النبيين والصديقين والشهداء والصالحين وحسن أولئك رفيقا.

قالت عائشة: فظننا أنه كان يخير.

وأخرجاه من حديث شعبة به.

وقال الزهري: أخبرني سعيد بن المسيب وعروة بن الزبير في رجال من أهل العلم، أن عائشة قالت: كان رسول الله ﷺ يقول وهو صحيح: إنه لم يقبض نبي حتى يرى مقعده من الجنة ثم يخير.

قالت عائشة: فلما نزل برسول الله ﷺ ورأسه على فخذي غشي عليه ساعة ثم أفاق فأشخص بصره إلى سقف البيت.

وقال: اللهم الرفيق الأعلى.

فعرفت أنه الحديث الذي كان حدثناه وهو صحيح، إنه لم

يقبض نبي قط حتى يرى مقعده من الجنة ثم يخير.

قالت عائشة: فقلت: إذا لا يختارنا.

وقالت عائشة: كانت تلك الكلمة آخر كلمة تكلم بها رسول الله ﷺ الرفيق الأعلى.

أخرجاه من غير وجه عن الزهري به.

وقال سفيان - هو الثوري - عن إسماعيل ابن أبي خالد، عن أبي بردة، عن عائشة قالت: أغمي على رسول الله ﷺ وهو في حجري فجعلت أمسح وجهه وأدعو له بالشفاء.

فقال: لا، بل أسأل الله الرفيق الأعلى الأسعد، مع جبريل وميكائيل وإسرافيل.

رواه النسائي من حديث سفيان الثوري به.

وقال البيهقي: أنبأنا أبو عبد الله الحافظ وغيره قالوا: حدثنا أبو العباس الاصم، حدثنا محمد بن عبد الله بن عبد الحكم، حدثنا أنس بن عياض، عن هشام بن عروة، عن عباد بن عبد الله بن الزبير، أن عائشة أخبرته أنها سمعت رسول الله ﷺ وأصغت إليه قبل أن يموت وهو مستند إلى صدرها يقول: اللهم اغفر لي وارحمني وألحقني بالرفيق [الاعلى ] .

أخرجاه من حديث هشام بن عروة.

وقال الإمام أحمد: حدثنا يعقوب، حدثنا أبي، عن ابن إسحاق، حدثنى يحيى ابن عباد بن عبد الله بن الزبير، عن أبيه عباد، سمعت عائشة تقول: مات رسول الله ﷺ بين سحري ونحري وفي دولتي ولم أظلم فيه أحدا، فمن سفهي وحداثة سني أن رسول الله ﷺ قبض وهو في حجري ثم وضعت رأسه على وسادة وقمت ألتدم مع النساء وأضرب وجهي.

وقال الإمام أحمد: حدثنا محمد بن عبد الله بن الزبير، حدثنا كثير بن زيد، عن المطلب بن عبد الله، قال: قالت عائشة: كان رسول الله ﷺ يقول: ما من

نبي إلا تقبض نفسه ثم يرى الثواب ثم ترد إليه فيخير بين أن ترد إليه وبين أن يلحق.

فكنت قد حفظت ذلك منه فإني لمسندته إلى صدري فنظرت إليه حين مالت عنقه فقلت: قد قضى.

فعرفت الذي قال، فنظرت إليه حين ارتفع فنظر.

قالت: قلت: إذا والله لا يختارنا.

فقال مع الرفيق الأعلى في الجنة مع الذين أنعم الله عليهم من النبيين والصديقين والشهداء والصالحين وحسن أولئك رفيقا.

تفرد به أحمد ولم يخرجوه.

وقال الإمام أحمد: حدثنا عفان، أنبأنا همام، أنبأنا هشام بن عروة، عن أبيه، عن عائشة، قالت قبض رسول الله ﷺ ورأسه بين سحري ونحري.

قالت: فلما خرجت نفسه لم أجد ريحا قط أطيب منها.

وهذا إسناد صحيح على شرط الصحيحين ولم يخرجه أحد من أصحاب الكتب الستة.

ورواه البيهقي من حديث حنبل بن إسحاق عن عفان.

وقال البيهقي: أنبأنا أبو عبد الله الحافظ، أنبأنا أبو العباس الأصم، حدثنا أحمد بن عبد الجبار، حدثنا يونس، عن أبي معشر، عن محمد بن قيس، عن أبي عروة، عن أم سلمة قالت: وضعت يدي على صدر رسول الله ﷺ يوم مات، فمرت لى جمع آكل وأتوضأ وما يذهب ريح المسك من يدي.

وقال أحمد: حدثنا عفان وبهز قالا: حدثنا سليمان بن المغيرة، حدثنا حميد بن هلال،

عن أبي بردة، قال: دخلت على عائشة فأخرجت إلينا إزارا غليظا مما يصنع باليمن وكساء من التي يدعون الملبدة فقالت: أن رسول الله ﷺ قبض في هذين الثوبين.

وقد رواه الجماعة إلا النسائي من طرق، عن حميد بن هلال به.

وقال الترمذي: حسن صحيح.

وقال الإمام أحمد: حدثنا بهز، حدثنا حماد بن سلمة، أنبأنا أبوعمران الجوني، عن يزيد بن بابنوس، قال: ذهبت أنا وصاحب لي إلى عائشة فاستأذنا عليها، فألقت لنا وسادة وجذبت إليها الحجاب.

فقال صاحبي: يا أم المؤمنين ما تقولين في العراك؟ قالت: وما العراك؟ فضربت منكب صاحبي.

قالت: مه آذيت أخاك.

ثم قالت: ما العراك المحيض؟ قولوا ما قال الله عزوجل في المحيض.

ثم قالت: كان رسول الله ﷺ يتوشحني وينال من رأسي وبيني وبينه ثوب وأنا حائض.

ثم قالت: كان رسول الله ﷺ إذا مر ببابي مما يلقي الكلمة ينفعني الله بها، فمر ذات يوم فلم يقل شيئا ثم مر فلم يقل شيئا مرتين أو ثلاثا.

فقلت: يا جارية ضعي لي وسادة على الباب.

وعصبت رأسي فمر بي.

فقال: يا عائشة ما شأنك؟ فقلت: أشتكي رأسي.

فقال: أنا وارأساه.

فذهب فلم يلبث إلا يسيرا حتى جئ به محمولا في كساء، فدخل علي وبعث إلى النساء فقال: إني قد اشتكيت، وإني لا أستطيع أن أدور بينكن، فأذن لي فلأكن عند عائشة.

فكنت أمرضه ولم أمرض أحدا قبله، فبينما رأسه ذات يوم على منكبي إذ مال رأسه نحو رأسي، فظننت أنه يريد من رأسي حاجة فخرجت من فيه نطفة باردة، فوقعت على ثغرة نحري فاقشعر لها جلدي فظننت أنه غشي عليه فسجيته ثوبا.

فجاء عمر والمغيرة بن شعبة فاستأذنا فأذنت لهما وجذبت إلي الحجاب، فنظر عمر إليه

فقال: واغشياه ما أشد غشي رسول الله ﷺ.

ثم قاما فلما دنوا من الباب قال المغيرة: يا عمر مات رسول الله ﷺ.

فقلت: كذبت بل أنت رجل نحوسك فتنة، إن رسول الله ﷺ لا يموت حتى يفني الله المنافقين.

قالت: ثم جاء أبو بكر فرفعت الحجاب فنظر إليه فقال: إنا لله وإنا إليه راجعون! مات رسول الله ﷺ، ثم أتاه من قبل رأسه فحدر فاه فقبل جبهته، ثم قال: وانبياه! ثم رفع رأسه فحدر فاه وقبل جبهته ثم قال.

واصفياه.

ثم رفع رأسه وحدر فاه وقبل جبهته وقال: واخليلاه مات رسول الله ﷺ.

وخرج إلى المسجد وعمر يخطب الناس ويتكلم ويقول: إن رسول الله لا يموت حتى يفنى الله المنافقين.

فتكلم أبو بكر فحمد الله وأثنى عليه ثم قال: إن الله يقول: " إنك ميت وإنهم ميتون " حتى فرغ من الآية " وما محمد إلا رسول قد خلت من قبله الرسل أفإن مات أو قتل انقلبتم على أعقابكم ومن ينقلب على عقبيه ".

حتى فرغ من الآية.

ثم قال: فمن كان يعبد الله فإن الله حي لا يموت ومن كان يعبد محمدا فإن محمدا قد مات.

فقال عمر: أو إنها في كتاب الله؟ ما شعرت أنها في كتاب الله.

ثم قال عمر: يا أيها الناس هذا أبو بكر وهو ذوشيبة المسلمين، فبايعوه.

فبايعوه.

وقد روى أبو داود والترمذي في الشمائل من حديث مرحوم بن عبد العزيز العطار، عن أبي عمران الجوني به ببعضه.

وقال الحافظ البيهقي: أنبأنا أبو عبد الله الحافظ، أنبأنا أبو بكر بن إسحاق، أخبرنا أحمد بن إبراهيم بن ملحان، حدثنا يحيى بن بكير، حدثنا الليث، عن عقيل، عن ابن

شهاب، أخبرني أبو سلمة، عن عبد الرحمن، أن عائشة أخبرته: أن أبا بكر أقبل على فرس من مسكنه بالسنح حتى نزل فدخل المسجد فلم يكلم الناس حتى دخل على عائشة فيمم رسول الله ﷺ وهو مسجى ببرد حبرة، فكشف عن وجهه ثم أكب عليه فقبله ثم بكى.

ثم قال: بأبي أنت وأمي يا رسول الله! والله لا يجمع الله عليك موتتين أبدا، أما الموتة التي كتبت عليك فقد متها.

قال الزهري: وحدثني أبو سلمة، عن ابن عباس، أن أبا بكر خرج وعمر يكلم الناس.

فقال: اجلس يا عمر.

فأبى عمر أن يجلس.

فقال: اجلس يا عمر.

فأبى عمر أن يجلس.

فتشهد أبو بكر فأقبل الناس إليه، فقال، أما بعد، فمن كان منكم يعبد محمدا فإن محمدا قد مات، ومن كان يعبد الله فإن الله حي لا يموت، قال الله تعالى: " وما محمد إلا رسول قد خلت من قبله الرسل أفإن مات أو قتل انقلبتم على أعقابكم " الآية.

قال: فوالله لكأن الناس لم يعلموا أن الله أنزل هذه الآية حتى تلاها أبو بكر، فتلقاها منه الناس كلهم فما سمع بشر من الناس إلا يتلوها.

قال الزهري: وأخبرني سعيد بن المسيب، أن عمر قال: والله ما هو إلا أن سمعت أبا بكر تلاها فعرفت أنه الحق فعقرت حتى ما تقلني رجلاي وحتى هويت إلى الأرض وعرفت حين سمعته تلاها أن رسول الله ﷺ قد مات.

ورواه البخاري عن يحيى بن بكير به وروى الحافظ البيهقي من طريق ابن لهيعة، حدثنا أبو الأسود، عن عروة بن الزبير في ذكر وفاة رسول الله ﷺ، قال: وقام عمر بن الخطاب يخطب الناس ويتوعد من قال مات بالقتل والقطع ويقول: إن رسول الله ﷺ في غشية

لو قد قام قتل وقطع.

وعمرو بن قيس بن زائدة بن الأصم بن أم مكتوم في مؤخر المسجد يقرأ: " وما محمد إلا رسول قد خلت من قبله الرسل " الآية والناس في المسجد يبكون ويموجون لا يسمعون.

فخرج عباس بن عبد المطلب على الناس فقال: يا أيها الناس هل عند أحد منكم من عهد من رسول الله ﷺ في وفاته فليحدثنا؟ قالوا: لا.

قال: هل عندك يا عمر من علم؟ قال: لا.

فقال العباس: اشهدوا أيها الناس أن أحدا لا يشهد على رسول الله بعهد عهده إليه في وفاته، والله الذي لا إله إلا هو لقد ذاق رسول الله ﷺ الموت.

قال، وأقبل أبو بكر رضي الله عنه من السنح على دابته حتى نزل بباب المسجد، وأقبل مكروبا حزينا، فاستأذن في بيت ابنته عائشة فأذنت له، فدخل ورسول الله ﷺ قد توفي على الفراش والنسوة حوله فخمرن وجوههن واستترن من أبي بكر، إلا ما كان من عائشة، فكشف عن رسول الله ﷺ فجثا عليه يقبله ويبكي ويقول: ليس ما يقوله ابن الخطاب شيئا، توفى رسول الله والذى نفسي بيده! رحمة الله عليك يارسول الله، ما أطيبك حيا وميتا! ثم غشاه بالثوب.

ثم خرج سريعا إلى المسجد يتخطى رقاب الناس حتى أتى المنبر، وجلس عمر حين رأى أبا بكر مقبلا إليه، وقام أبو بكر إلى جانب المنبر ونادى الناس، فجلسوا وأنصتوا، فتشهد أبو بكر بما علمه من التشهد، وقال، إن الله عزوجل نعى نبيه إلى نفسه وهو حي بين أظهركم ونعاكم إلى أنفسكم، وهو الموت حتى لا يبقى منكم أحد إلا الله عزوجل، قال تعالى، " وما محمد إلا رسول قد خلت من قبله الرسل " الآية.

فقال عمر: هذه الآية في القرآن؟ والله ما علمت أن هذه الآية أنزلت قبل اليوم وقد قال الله تعالى لمحمد ﷺ " إنك ميت وإنهم ميتون " وقال الله تعالى: " كل شئ هالك إلا وجهه له الحكم وإليه ترجعون "، وقال: " كل من عليها فان ويبقى وجه ربك ذو الجلال والاكرام " وقال: " كل نفس ذائقة الموت وإنما توفون أجوركم يوم القيامة ".

وقال: إن الله عمر محمدا ﷺ وأبقاه حتى أقام دين الله وأظهر أمر الله وبلغ رسالة الله وجاهد في سبيل الله، ثم توفاه الله على ذلك وقد ترككم على الطريقة، فلن يهلك هالك إلا من بعد البينة والشقاء، فمن كان الله ربه فإن الله حي لا يموت، ومن كان يعبد محمدا وينزله إلها فقد هلك إلهه.

فاتقوا الله أيها الناس واعتصموا بدينكم وتوكلوا على ربكم، فإن دين الله قائم وإن كلمة الله تامة وإن الله ناصر من نصره ومعز دينه، وإن كتاب الله بين أظهرنا وهو النور والشفاء، وبه هدى الله محمدا ﷺ، وفيه حلال الله وحرامه والله لا نبالي من أجلب علينا من خلق الله، إن سيوف الله لمسلولة ما وضعناها بعد، ولنجاهدن من خالفنا كما جاهدنا مع رسول الله ﷺ، فلا يبغين أحد إلا على نفسه.

ثم انصرف معه المهاجرون إلى رسول الله ﷺ.

فذكر الحديث في غسله وتكفينه والصلاة عليه ودفنه.

قلت، كما سنذكره مفصلا بدلائله وشواهده إن شاء الله تعالى.

وذكر الواقدي عن شيوخه.

قالوا: ولما شك؟ في موت النبي ﷺ.

فقال بعضهم: مات.

وقال بعضهم: لم يمت، وضعت أسماء بنت عميس يدها بين كتفي

رسول الله ﷺ.

فقالت: قد توفي رسول الله ﷺ وقد رفع الخاتم من بين كتفيه.

فكان هذا الذي قد عرف به موته.

هكذا أورده الحافظ البيهقي في كتابه دلائل النبوة من طريق الواقدي، وهو ضعيف وشيوخه لم يسمون ثم هو منقطع بكل حال ومخالف لما صح وفيه غرابة شديدة وهو رفع الخاتم فالله أعلم بالصواب.

ذكر أمور مهمة وقعت بعد وفاته وقبل دفنه عليه السلام ومن أعظمها وأجلها وأيمنها بركة على الإسلام وأهله بيعة أبي بكر الصديق رضي الله عنه.

وذلك لأنه عليه الصلاة والسلام لما مات كان الصديق رضي الله عنه قد صلى بالمسلمين صلاة الصبح، وكان إذ ذاك قد أفاق رسول الله ﷺ إفاقة من غمرة ما كان فيه من الوجع، وكشف ستر الحجرة ونظر إلى المسلمين وهم صفوف في الصلاة خلف أبي بكر، فأعجبه ذلك وتبسم صلوات الله وسلامه عليه، حتى هم المسلمون أن يتركوا ما هم فيه من الصلاة لفرحهم به، حتى أراد أبو بكر أن يتأخر ليصل الصف، فأشار إليهم أن يمكثوا كما هم وأرخى الستارة، وكان آخر العهد به عليه السلام.

فلما انصرف أبو بكر رضي الله عنه من الصلاة دخل عليه وقال لعائشة: ما أرى

رسول الله ﷺ ألا قد أقلع عنه من الوجع، وهذا يوم بنت خارجة، يعني إحدى زوجتيه، وكانت ساكنة بالسنح شرقي المدينة.

فركب على فرس له وذهب إلى منزله.

وتوفي رسول الله ﷺ حين اشتد الضحى من ذلك اليوم، وقيل عند زوال الشمس.

والله أعلم.

فلما مات واختلف الصحابة فيما بينهم، فمن قائل يقول: مات رسول الله ﷺ ومن قائل: لم يمت.

فذهب سالم بن عبيد وراء الصديق إلى السنح فأعلمه بموت رسول الله ﷺ، فجاء الصديق من منزله حين بلغه الخبر، فدخل على رسول الله ﷺ منزله وكشف الغطاء عن وجهه وقبله وتحقق أنه قد مات.

[ثم] خرج إلى الناس فخطبهم إلى جانب المنبر وبين لهم وفاة رسول الله ﷺ كما قدمنا، وأزاح الجدل وأزال الإشكال، ورجع الناس كلهم إليه، وبايعه في المسجد جماعة من الصحابة.

ووقعت شبهة لبعض الأنصار وقام في أذهان بعضهم جواز استخلاف خليفة من الأنصار، وتوسط بعضهم بين أن يكون أمير من المهاجرين وأمير من الأنصار، حتى بين لهم الصديق أن الخلافة لا تكون إلا في قريش، فرجعوا إليه وأجمعوا عليه.

ذكر الوقت الذي توفي فيه رسول الله ﷺ ومبلغ سنه حال وفاته وفى كيفية غسله عليه السلام وتكفينه والصلاة عليه ودفنه وموضع قبره صلوات الله وسلامه عليه لا خلاف أنه عليه السلام توفي يوم الاثنين.

قال ابن عباس: ولد نبيكم ﷺ يوم الاثنين، ونبئ يوم الاثنين.

وخرج من مكة مهاجرا يوم الاثنين، ودخل المدينة يوم الاثنين، ومات

يوم الاثنين.

رواه الإمام أحمد والبيهقي.

وقال سفيان الثوري عن هشام بن عروة، عن أبيه عن عائشة قالت: قال لي أبو بكر: أي يوم توفي رسول الله ﷺ؟ قلت: يوم الاثنين.

فقال: إني لأرجو أن أموت فيه.

فمات فيه.

رواه البيهقي من حديث الثوري به.

وقال الإمام أحمد: حدثنا أسود بن عامر، حدثنا هريم، حدثني ابن إسحاق، عن عبد الرحمن بن القاسم، عن أبيه، عن عائشة، قالت: توفي رسول الله ﷺ يوم الاثنين، ودفن ليلة الأربعاء.

تفرد به أحمد.

وقال عروة بن الزبير في مغازيه وموسى بن عقبة عن ابن شهاب: لما اشتد برسول الله ﷺ وجعه أرسلت عائشة إلى أبي بكر، وأرسلت حفصة إلى عمر، وأرسلت فاطمة إلى علي، فلم يجتمعوا حتى توفي رسول الله ﷺ وهو في صدر عائشة وفي يومها ; يوم الاثنين حين زاغت الشمس لهلال ربيع الاول.

وقد قال أبو يعلى: حدثنا أبو خيثمة، حدثنا ابن عيينة، عن الزهري، عن أنس، قال: آخر نظرة نظرتها إلى رسول الله يوم يوم الاثنين، كشف الستارة والناس خلف الستارة والناس خلف أبي بكر فنظرت إلى وجهه كأنه ورقة مصحف، فأراد الناس أن ينحرفوا فأشار إليهم أن امكثوا: وألقى السجف، وتوفي من آخر ذلك اليوم.

وهذا الحديث في الصحيح، وهو يدل على أن الوفاة وقعت بعد الزوال.

والله أعلم.

وروى يعقوب بن سفيان، عن عبد الحميد بن بكار، عن محمد بن شعيب، وعن

صفوان، عن عمر بن عبد الواحد، جميعا عن الأوزاعي، أنه قال: توفي رسول الله ﷺ يوم الاثنين قبل أن ينتصف النهار.

وقال البيهقي: أنبأنا أبو عبد الله الحافظ، أنبأنا أحمد بن كامل، حدثنا الحسين بن على البزار، حدثنا محمد بن عبد الاعلى، حدثنا المعتمر بن سليمان، عن أبيه، وهو سليمان ابن طرخان التيمي في كتاب المغازي، قال: أن رسول الله ﷺ مرض لاثنتين وعشرين ليلة من صفر، وبدأه وجعه عند وليدة له يقال لها ريحانة كانت من سبي اليهود، وكان أول يوم مرض يوم السبت، وكانت وفاته عليه السلام يوم الاثنين لليلتين خلتا من شهر ربيع الأول لتمام عشر سنين من مقدمه عليه السلام المدينة.

وقال الواقدي: حدثنا أبو معشر عن محمد بن قيس، قال: اشتكى رسول الله ﷺ يوم الأربعاء لإحدى عشرة ليلة بقيت من صفر سنة إحدى عشرة في بيت زينب بنت جحش شكوى شديدة، فاجتمع عنده نساؤه كلهن، فاشتكى ثلاثة عشر يوم، وتوفي يوم الاثنين لليلتين خلتا من ربيع الأول سنة إحدى عشرة.

وقال الواقدي: وقالوا: بدئ رسول الله ﷺ يوم الأربعاء لليلتين بقيتا من صفر، وتوفي يوم الاثنين لثنتي عشرة ليلة خلت من ربيع الأول.

وهذا جزم به محمد بن سعد كاتبه، وزاد: ودفن يوم الثلاثاء.

قال الواقدي: وحدثني سعيد بن عبد الله بن أبي الأبيض، عن المقبري، عن عبد الله بن رافع، عن أم سلمة، أن رسول الله ﷺ بدئ في بيت ميمونة.

وقال يعقوب بن سفيان: حدثنا أحمد بن يونس، حدثنا أبو معشر، عن محمد بن قيس، قال: اشتكى رسول الله ﷺ ثلاثة عشر يوما، فكان إذا وجد

خفة صلى وإذا ثقل صلى أبو بكر رضي الله عنه.

وقال محمد بن إسحاق: توفي رسول الله ﷺ لاثنتي عشرة ليلة خلت من شهر ربيع الأول في اليوم الذي قدم فيه المدينة مهاجرا، واستكمل رسول الله ﷺ في هجرته عشر سنين كوامل.

قال الواقدي: وهو المثبت عندنا.

وجزم به محمد بن سعد كاتبه.

وقال يعقوب بن سفيان، عن يحيى بن بكير، عن الليث، أنه قال: توفي رسول الله يوم الاثنين لليلة خلت من ربيع الأول وفيه قدم المدينة على رأس عشر سنين من مقدمه.

وقال سعد بن إبراهيم الزهري: توفي رسول الله ﷺ يوم الاثنين لليلتين خلتا من ربيع الأول لتمام عشر سنين من مقدمه المدينة.

رواه ابن عساكر.

ورواه الواقدي عن أبي معشر عن محمد بن قيس مثله سواء.

وقاله خليفة بن خياط أيضا.

وقال أبو نعيم الفضل بن دكين: توفي رسول الله يوم الاثنين مستهل ربيع الأول سنة إحدى عشرة من مقدمه المدينة، ورواه ابن عساكر أيضا.

وقد تقدم قريبا عن عروة وموسى بن عقبة والزهري مثله فيما نقلناه عن مغازيهما فالله أعلم.

والمشهور قول ابن إسحاق والواقدي.

ورواه الواقدي عن ابن عباس وعائشة رضي الله عنهما فقال: حدثني إبراهيم بن يزيد، عن ابن طاوس، عن أبيه، عن ابن عباس، وحدثني محمد بن عبد الله عن الزهري، عن عروة، عن عائشة.

قالا: توفي رسول الله ﷺ يوم الاثنين لثنتي عشرة ليلة خلت من ربيع الأول.

ورواه ابن إسحاق عن عبد الله بن أبي بكر بن حزم، عن أبيه مثله - وزاد:

ودفن ليلة الأربعاء.

وروى سيف بن عمر، عن محمد بن عبيد الله العرزمي، عن الحكم، عن مقسم، عن ابن عباس، قال: لما قضى رسول الله ﷺ حجة الوداع ارتحل فأتى المدينة فأقام بها بقية ذي الحجة والمحرم وصفرا، ومات يوم الاثنين لعشر خلون من ربيع الأول.

وروى أيضا عن محمد بن إسحاق عن الزهري عن عروة.

وفي حديث فاطمة عن عروة عن عائشة مثله، إلا أن ابن عباس قال في أوله: لأيام مضين منه.

وقالت عائشة: بعدما مضى أيام منه.

وقال أبو بكر بن أبي شيبة: حدثنا أبو معاوية، حدثنا أبو بردة، عن علقمة بن

يزيد، عن سليمان بن بريدة، عن أبيه، قال: لما أخذوا في غسل رسول الله ﷺ ناداهم مناد من الداخل: ألا تجردوا عن رسول الله ﷺ قميصه.

ورواه ابن ماجه من حديث أبي معاوية عن أبي بردة - واسمه عمرو بن يزيد التميمي كوفي - وقال محمد بن إسحاق: حدثني يحيى بن عباد بن عبد الله بن الزبير، عن أبيه، سمعت عائشة تقول: لما أرادوا غسل النبي ﷺ، قالوا: ما ندري أنجرد رسول الله ﷺ من ثيابه كما نجرد موتانا، أم نغسله وعليه ثيابه.

فلما اختلفوا ألقى الله عليهم النوم حتى مامنهم أحد إلا وذقنه في صدره.

ثم كلمهم مكلم من ناحية البيت لا يدرون من هو: أن غسلوا رسول الله ﷺ وعليه ثيابه.

فقاموا إلى رسول الله ﷺ فغسلوه وعليه قميص.

يصبون الماء فوق القميص فيدلكونه بالقميص دون أيديهم.

فكانت عائشة تقول: لو استقبلت من أمري ما استدبرت ما غسل رسول الله ﷺ ألا نساؤه.

رواه أبو داود من حديث ابن إسحاق.

وقال الإمام أحمد: حدثنا يعقوب، حدثنا أبي، عن ابن إسحاق، حدثني حسين بن عبد الله، عن عكرمة، عن ابن عباس، قال: اجتمع القوم لغسل رسول الله ﷺ وليس في البيت إلا أهله، عمه العباس بن عبد المطلب وعلي بن أبي طالب والفضل بن عباس وقثم بن العباس وأسامة بن زيد بن حارثة وصالح مولاه.

فلما اجتمعوا لغسله نادى من وراء الناس أوس بن خولي الأنصاري، أحد بني

عوف بن الخزرج - وكان بدريا - علي بن أبي طالب، فقال: يا علي ننشدك الله وحظنا من رسول الله ﷺ.

فقال له علي: ادخل.

فدخل فحضر غسل رسول الله ﷺ ولم يل من غسله شيئا.

فأسنده علي إلى صدره وعليه قميصه، وكان العباس وفضل وقثم يقلبونه مع علي، وكان أسامة بن زيد وصالح مولاه هما يصبان الماء، وجعل علي يغسله ولم ير من رسول الله ﷺ شيئا مما يرى من الميت، وهو يقول: بأبي وأمي! ما أطيبك حيا وميتا.

حتى إذا فرغوا من غسل رسول الله، - وكان يغسل بالماء والسدر - جففوه ثم صنع به ما يصنع بالميت.

ثم أدرج في ثلاثة أثواب: ثوبين أبيضين وبرد حبرة.

قال: ثم دعا العباس رجلين، فقال: ليذهب أحدكما إلى أبي عبيدة بن الجراح - وكان أبو عبيدة يضرح لأهل مكة.

وليذهب الآخر إلى أبي طلحة بن سهل الأنصاري - وكان أبو طلحة يلحد لأهل المدينة.

قال: ثم قال العباس حين سرحهما: اللهم خر لرسولك! قال: فذهبا فلم يجد صاحب أبي عبيدة أبا عبيدة، ووجد صاحب أبي طلحة أبا طلحة فلحد لرسول الله ﷺ.

انفرد به أحمد.

وقال يونس بن بكير، عن المنذر بن ثعلبة، عن الصلت، عن العلباء بن أحمر، قال: كان علي والفضل يغسلان رسول الله، فنودي علي: ارفع طرفك إلى السماء،

وهذا منقطع.

قلت: وقد روى بعض أهل السنن عن علي بن أبي طالب، أن رسول الله ﷺ قال له: " يا علي لا تبد فخذك، ولا تنظر إلى فخذ حي ولا ميت ".

وهذا فيه إشعار بأمره له في حق نفسه والله أعلم.

وقال الحافظ أبو بكر البيهقي: أنبأنا أبو عبد الله الحافظ، أنبأنا محمد بن يعقوب، حدثنا يحيى بن محمد بن يحيى، حدثنا ضمرة، حدثنا عبد الواحد بن زياد، حدثنا معمر، عن الزهري، عن سعيد بن المسيب، قال: قال علي: غسلت رسول الله ﷺ فذهبت أنظر ما يكون من الميت فلم أر شيئا، وكان طيبا حيا وميتا ﷺ.

وقد رواه أبو داود في المراسيل وابن ماجه من حديث معمر.

زاد البيهقي في روايته: قال سعيد بن المسيب: وقد ولى دفنه عليه السلام أربعة.

علي والعباس والفضل وصالح مولى رسول الله ﷺ، لحدوا له لحدا ونصبوا عليه اللبن نصبا.

وقد روي نحو هذا عن جماعة من التابعين منهم عامر الشعبي ومحمد بن قيس وعبد الله بن الحارث وغيرهم بألفاظ مختلفة يطول بسطها هاهنا.

قال البيهقي: وروى أبو عمرو كيسان، عن يزيد بن بلال، سمعت عليا يقول: أوصى رسول الله ﷺ أن لا يغسله أحد غيري، فإنه لا يرى أحد عورتي إلا طمست عيناه.

قال علي: فكان العباس وأسامة يناولاني الماء من وراء الستر.

قال علي: فما تناولت عضوا إلا كأنه يقلبه معي ثلاثون رجلا، حتى فرغت من غسله.

وقد أسند هذا الحديث الحافظ أبو بكر البزار في مسنده، فقال: حدثنا محمد بن عبد الرحيم، حدثنا عبد الصمد بن النعمان، حدثنا كيسان أبو عمرو، عن يزيد بن بلال، قال: قال على بن أبى طالب: أوصاني النبي ﷺ ألا يغسله أحد غيري، فإنه لا يرى أحد عورتي إلا طمست عيناه.

قال علي: فكان العباس وأسامة يناولاني الماء من وراء الستر.

قلت: وهذا غريب جدا.

وقال البيهقي: أنبأنا محمد بن موسى بن الفضل، حدثنا أبو العباس الاصم، حدثنا أسيد بن عاصم، حدثنا الحسين بن حفص، عن سفيان، عن عبد الملك بن جريج، سمعت محمد بن علي أبا جعفر قال: غسل النبي ﷺ بالسدر ثلاثا، وغسل وعليه قميص، وغسل من بئر كان يقال لها الغرس بقباء كانت لسعد بن خيثمة، وكان رسول الله يشرب منها، وولى غسله على والفضل يحتضنه، والعباس يصب الماء، فجعل الفضل يقول: أرحني قطعت وتيني، إني لأجد شيئا يترطل علي وقال الواقدي: حدثنا عاصم بن عبد الله الحكمي، عن عمر بن عبد الحكم، قال قال رسول الله ﷺ: " نعم البئر بئر غرس هي من عيون الجنة وماؤها أطيب المياه ".

وكان رسول الله يستعذب له منها وغسل من بئر غرس.

وقال سيف بن عمر، عن محمد بن عدى، عن عكرمة، عن ابن عباس ; قال: لما فرغ من القبر وصلى الناس الظهر، أخذ العباس في غسل رسول الله ﷺ، فضرب عليه كلة من ثياب يمانية صفاق في جوف البيت، فدخل الكلة ودعا عليا والفضل، فكان إذا ذهب إلى الماء ليعاطيهما دعا أبا سفيان بن الحارث فأدخله، ورجال

من بني هاشم من وراء الكلة، ومن أدخل من الأنصار حيث ناشدوا أبي وسألوه، منهم أوس بن خولي رضي الله عنهم أجمعين.

ثم قال سيف عن الضحاك بن يربوع الحنفي عن ماهان الحنفي، عن ابن عباس، فذكر ضرب الكلة وأن العباس أدخل فيها عليا والفضل وأبا سفيان وأسامة، ورجال من بني هاشم من وراء الكلة في البيت، فذكر أنهم ألقي عليهم النعاس فسمعوا قائلا يقول: لا تغسلوا رسول الله فإنه كان طاهرا.

فقال العباس: ألا بلى.

وقال أهل البيت: صدق فلا تغسلوه، فقال العباس: لا ندع سنة لصوت لا ندري ما هو.

وغشيهم النعاس ثانية، فناداهم: أن غسلوه وعليه ثيابه، فقال أهل البيت: ألا لا.

وقال العباس: ألا نعم.

فشرعوا في غسله وعليه قميص ومجول مفتوح، فغسلوه بالماء القراح وطيبوه بالكافور في مواضع سجوده ومفاصله، واعتصر قميصه ومجوله، ثم أدرج في أكفانه، وجمروه عودا وندا ، ثم احتملوه حتى وضعوه على سريره وسجوه.

وهذا السياق فيه غرابة جدا.

صفة كفنه عليه الصلاة والسلام قال الإمام أحمد: حدثنا الوليد بن مسلم، حدثنا الأوزاعي، حدثني الزهري، عن القاسم، عن عائشة، قالت: أدرج رسول الله ﷺ في ثوب حبرة ثم أخر عنه.

قال القاسم: إن بقايا ذلك الثوب لعندنا بعد.

وهذا الإسناد على شرط الشيخين، وإنما رواه أبو داود عن أحمد بن حنبل

والنسائي عن محمد بن مثنى، ومجاهد بن موسى فرقهما، كلهم عن الوليد بن مسلم به.

وقال الإمام أبو عبد الله محمد بن إدريس الشافعي: حدثنا مالك، عن هشام بن عروة، عن أبيه، عن عائشة.

قالت: كفن رسول الله ﷺ في ثلاثة أثواب بيض سحولية، ليس فيها قميص ولا عمامة.

وكذا رواه البخاري عن إسماعيل بن أبي أويس، عن مالك وقال الإمام أحمد: حدثنا سفيان، عن هشام عن أبيه عن عائشة: كفن رسول الله ﷺ في ثلاثة أثواب [سحولية] بيض.

وأخرجه مسلم من حديث سفيان بن عيينة.

وأخرجه البخاري عن أبي نعيم عن سفيان الثوري، كلاهما عن هشام بن عروة به.

وقال أبو داود: حدثنا قتيبة، حدثنا حفص بن غياث، عن هشام بن عروة، عن أبيه، عن عائشة: أن رسول الله كفن في ثلاثة أثواب بيض يمانية من كرسف، ليس ليس فيها قميص ولا عمامة.

قال: فذكر لعائشة قولهم: في ثوبين وبرد حبرة، فقالت: قد أتي بالبرد ولكنهم ردوه ولم يكفنوه فيه.

وهكذا رواه مسلم، عن أبي بكر بن أبي شيبة، عن حفص بن غياث به.

وقال البيهقي: أنبأنا أبو عبد الله الحافظ، أنبأنا أبو الفضل محمد بن إبراهيم، حدثنا أحمد بن سلمة، حدثنا هناد بن السرى، حدثنا أبو معاوية، عن هشام بن عروة، عن أبيه، عن عائشة، قالت: كفن رسول الله في ثلاثة أثواب بيض سحولية من كرسف، ليس فيها قميص ولا عمامة، فأما الحلة فإنما شبه على الناس فيها، إنما اشتريت له حلة

ليكفن فيها فتركت، وأخذها عبد الله بن أبي بكر فقال: لأحبسنها لنفسي حتى أكفن فيها.

ثم قال: لو رضيها الله لنبيه ﷺ لكفنه فيها.

فباعها وتصدق بثمنها.

رواه مسلم في الصحيح عن يحيى بن يحيى وغيره، عن أبي معاوية.

ثم رواه البيهقي عن الحاكم، عن الأصم، عن أحمد بن عبد الجبار، عن أبي معاوية، عن هشام، عن أبيه، عن عائشة، قالت: كفن رسول الله في برد حبرة كانت لعبد الله بن أبي بكر ولف فيها ثم نزعت عنه، فكان عبد الله بن أبي بكر قد أمسك تلك الحلة لنفسه حتى يكفن فيها إذا مات.

ثم قال بعد أن أمسكها: ما كنت أمسك لنفسي شيئا منع الله رسوله ﷺ أن يكفن فيه.

فتصدق بثمنها عبد الله.

وقال الإمام أحمد: حدثنا عبد الرزاق، حدثنا معمر، عن الزهري، عن عروة، عن عائشة، قالت: كفن رسول الله ﷺ في ثلاثة أثواب سحولية بيض.

ورواه النسائي، عن إسحاق بن راهويه، عن عبد الرزاق.

وقال الامام أحمد: حدثنا مسكين بن بكر، عن سعيد، يعني ابن عبد العزيز، قال مكحول: حدثني عروة عن عائشة: أن رسول الله ﷺ كفن في ثلاثة أثواب رياط يمانية.

انفرد به أحمد.

وقال أبو يعلى الموصلي: حدثنا سهل بن حبيب الانصاري، حدثنا عاصم بن هلال إمام مسجد أيوب، حدثنا أيوب عن نافع، عن ابن عمر: قال كفن رسول الله ﷺ في ثلاثة أثواب بيض سحولية.

وقال سفيان عن عاصم بن عبيد الله، عن سالم، عن ابن عمر، أن رسول الله صلى

الله عليه وسلم كفن في ثلاثة أثواب.

ووقع في بعض الروايات ; ثوبين صحاريين وبرد حبرة.

وقال الإمام أحمد: حدثنا ابن إدريس، حدثنا يزيد، عن مقسم، عن ابن عباس، أن رسول الله ﷺ كفن في ثلاثة أثواب: في قميصه الذي مات فيه، وحلة نجرانية - الحلة ثوبان -.

ورواه أبو داود عن أحمد بن حنبل وعثمان بن أبي شيبة، وابن ماجه عن على ابن محمد، ثلاثتهم عن عبد الله بن إدريس، عن يزيد بن أبي زياد، عن مقسم، عن ابن عباس أن رسول الله ﷺ نحوه.

وهذا غريب جدا.

وقال الإمام أحمد: أيضا: حدثنا عبد الرزاق، حدثنا سفيان، عن ابن أبي ليلى، عن الحكم، عن مقسم، عن ابن عباس، قال: كفن رسول الله ﷺ في ثوبين أبيضين وبرد أحمر.

انفرد به أحمد من هذا الوجه.

وقال أبو بكر الشافعي: حدثنا على بن الحسن، حدثنا حميد بن الربيع، حدثنا بكر - يعنى ابن عبد الرحمن - حدثنا عيسى - يعني ابن المختار - عن محمد بن عبد الرحمن هو ابن أبي ليلى، عن عطاء، عن ابن عباس، عن الفضل بن عباس، قال: كفن رسول الله في ثوبين أبيضين وبرد أحمر.

وقال أبو يعلى: حدثنا سليمان الشاذكونى، حدثنا يحيى بن أبى الهيثم، حدثنا عثمان بن عطاء، عن أبيه، عن ابن عباس، عن الفضل، قال: كفن رسول الله صلى عليه وسلم في ثوبين أبيضين سحوليين.

زاد فيه محمد بن عبد الرحمن بن أبي ليلى: وبرد أحمر.

وقد رواه غير واحد عن إسماعيل المؤدب، عن يعقوب بن عطاء، عن أبيه، عن ابن عباس، عن الفضل، قال: كفن رسول الله ﷺ في ثوبين أبيضين وفى رواية: وسحولية.

فالله أعلم.

وروى الحافظ ابن عساكر من طريق أبى طاهر المخلص، حدثنا أحمد بن إسحاق عن البهلول، حدثنا عباد بن يعقوب، حدثنا شريك، عن أبي إسحاق، قال: وقعت على مجلس بني عبد المطلب وهم متوافرون، فقلت لهم: في كم كفن رسول الله ﷺ؟ قالوا: في ثلاثة أثواب ليس فيها قميص ولا قباء ولا عمامة.

قلت: كم أسر منكم يوم بدر؟ قالوا: العباس ونوفل وعقيل.

وقد روى البيهقي من طريق الزهري، عن علي بن الحسين زين العابدين، أنه قال: كفن رسول الله في ثلاثة أثواب أحدها برد حبرة.

وقد ساقه الحافظ ابن عساكر من طريق في صحتها نظر، عن علي بن أبي طالب، قال: كفنت رسول ﷺ في ثوبين سحوليين وبرد حبرة.

وقد قال أبو سعيد ابن الأعرابي، حدثنا إبراهيم بن الوليد حدثنا محمد بن كثير حدثنا هشام عن قتادة، عن سعيد بن المسيب، عن أبي هريرة، قال، كفن رسول الله ﷺ في ريطتين وبرد نجراني.

وكذا رواه أبو داود الطيالسي عن هشام وعمران القطان، عن قتادة عن سعيد، عن أبي هريرة به.

وقد رواه الربيع بن سليمان، عن أسد بن موسى، حدثنا نصر بن طريف، عن قتادة، حدثنا ابن المسيب، عن أم سلمة: أن رسول الله كفن في ثلاثة أثواب أحدها برد نجراني.

قال البيهقي: وفيما روينا عن عائشة بيان سبب الاشتباه على الناس، وأن الحبرة أخرت عنه والله أعلم.

ثم روى الحافظ البيهقي من طريق محمد بن إسحاق بن خزيمة، حدثنا يعقوب ابن إبراهيم الدورقي، عن حميد بن عبد الرحمن الرؤاسي، عن حسن بن صالح، عن هارون بن سعيد، قال: كان عند علي مسك فأوصى أن يحنط به، وقال، هو من فضل حنوط رسول الله ﷺ.

ورواه من طريق إبراهيم بن موسى، عن حميد، عن حسن، عن هارون، عن أبي وائل عن على.

كيفية الصلاة عليه ﷺ وقد تقدم الحديث الذي رواه البيهقي من حديث الأشعث بن طليق، والبزار من حديث الأصبهاني، كلاهما عن مرة، عن ابن مسعود: في وصية النبي ﷺ أن يغسله رجال أهل بيته، وأنه قال: كفنوني في ثيابي هذه أو في يمانية أو بياض مصر، وأنه إذا كفنوه يضعونه على شفير قبره ثم يخرجون عنه حتى تصلي عليه الملائكة، ثم يدخل عليه رجال أهل بيته فيصلون عليه، ثم الناس بعدهم فرادى.

الحديث بتمامه.

وفي صحته نظر كما قدمنا.

والله أعلم.

وقال محمد بن إسحاق: حدثني الحسين بن عبد الله بن عبيد الله بن عباس، عن عكرمة، عن ابن عباس، قال: لما مات رسول الله ﷺ أدخل الرجال فصلوا عليه بغير إمام أرسالا حتى فرغوا، ثم أدخل النساء فصلين عليه، ثم أدخل الصبيان فصلوا عليه، ثم أدخل العبيد فصلوا عليه أرسالا، لم يؤمهم على رسول الله ﷺ أحد.

وقال الواقدي: حدثني أبي بن عياش بن سهل بن سعد، عن أبيه، عن جده،

قال: لما أدرج رسول الله ﷺ في أكفانه وضع على سريره، ثم وضع على شفير حفرته، ثم كان الناس يدخلون عليه رفقا رفقا لا يؤمهم أحد.

قال الواقدي: حدثني موسى بن محمد بن إبراهيم، قال وجدت كتابا بخط أبي فيه أنه لما كفن رسول الله ﷺ ووضع على سريره، دخل أبو بكر وعمر رضي الله عنهما ومعهما نفر من المهاجرين والأنصار بقدر ما يسع البيت، فقالا:

السلام عليك أيها النبي ورحمة الله وبركاته، وسلم المهاجرون والأنصار كما سلم أبو بكر وعمر، ثم صفوا صفوفا لا يؤمهم أحد.

فقال أبو بكر وعمر - وهما في الصف الأول حيال رسول الله ﷺ - اللهم إنا نشهد أنه قد بلغ ما أنزل إليه، ونصح لأمته، وجاهد في سبيل الله حتى أعز الله دينه وتمت كلمته، وأومن به وحده لا شريك له، فاجعلنا إلهنا ممن يتبع القول الذي أنزل معه، واجمع بيننا وبينه حتى تعرفه بنا وتعرفنا به، فإنه كان بالمؤمنين رؤوفا رحيما، لا نبتغى بالايمان به بدلا ولا نشتري به ثمنا أبدا.

فيقول الناس: آمين آمين.

ويخرجون ويدخل آخرون، حتى صلى الرجال، ثم النساء، ثم الصبيان.

وقد قيل: إنهم صلوا عليه من بعد الزوال يوم الاثنين إلى مثله من يوم الثلاثاء، وقيل إنهم مكثوا ثلاثة أيام يصلون عليه.

كما سيأتي بيان ذلك قريبا.

والله أعلم.

وهذا الصنيع، وهو صلاتهم عليه فرادى لم يؤمهم أحد عليه، أمر مجمع عليه لا خلاف فيه.

وقد اختلف في تعليله.

فلو صح الحديث الذي أوردناه عن ابن مسعود لكان نصا في ذلك، ويكون من باب التعبد الذي يعسر تعقل معناه

وليس لأحد أن يقول: لأنه لم يكن لهم إمام، لأنا قد قدمنا أنهم إنما شرعوا في تجهيزه عليه السلام بعد تمام بيعة

أبي بكر رضي الله عنه وأرضاه.

وقد قال بعض العلماء: إنما لم يؤمهم أحد ليباشر كل واحد من الناس الصلاة عليه منه إليه، ولتكرر صلاة المسلمين عليه مرة بعد مرة من كل فرد فرد من آحاد الصحابة رجالهم ونسائهم وصبيانهم حتى العبيد والاماء.

وأما السهيلي فقال ما حاصله: إن الله قد أخبر أنه وم

الدروس المستفادة

الدروس المستفادة من هذا الحدث

  • قضية التوحيد أخطر قضية في حياة الإنسان، كان ينادي بها صلى الله عليه وسلم قائماً وقاعداً وعلى جنبه، وفي حياته وفي مماته، في سكرات الموت يقول: لا إله إلا الله، وفي سكرات الموت يقول [لعن الله اليهود والنصارى، اتخذوا قبور أنبيائهم مساجد].
  • المسلم لا يهمه ولا يشغله عن الله شاغل، ومن شغله عن الله شاغل شغله الله، وطبع الله على قلبه وأنساه ذكره، فالرسول صلى الله عليه وسلم على كثرة أعماله وأشغاله، وعلى كثرة ما ينوبه من أغراض وأعراض ما نسي الله لحظة واحدة، حتى في سكرات الموت يقول: لا إله إلا الله! ويوصي بحقوق الله ويقول: [الصلاة.. الصلاة وما ملكت أيمانكم] فالله الله في ذكره سُبحَانَهُ وَتَعَالى.
  • الموحد حقاً لا يحتج بالأحداث، لأنه يعيش لله ويموت لله ويبعث إلى الله، فـأبو بكر ما خارت قواه، وما انهد ولا انهزم ولا فشل في ذاك الموقف، بل علم أنه يعبد الله حياً لا يموت، وأنه يعبد باقياً سُبحَانَهُ وَتَعَالى ودائماً دواماً سرمدياً، فالتجأ إليه، وأخبر الناس أن كل إنسان يموت، فمن كان يعبد محمداً فإنه قد مات صلى الله عليه وسلم، ولكن الله لا يموت.