﴿ وَمَا أَرْسَلْنَاكَ إِلا رَحْمَةً لِلْعَالَمِينَ

وفاة أم المؤمنين خديجة

الخميس 16 ربيع الأوّل 1446, الخميس 19 سبتمبر 2024

ثم إن خديجة بنت خويلد وأبا طالب هلكا في عام واحد، فتتابعت على رسول الله صلى الله عليه وسلم المصائب بهلك خديجة، وكانت له وزير صدق على الإسلام، يشكو إليها، وبهلك عمه أبي طالب، وكان له عضدا وحرزا في أمره، ومنعة وناصرا على قومه، وذلك قبل مهاجره إلى المدينة بثلاث سنين. فلما هلك أبو طالب، نالت قريش من رسول الله صلى الله عليه وسلم من الأذى ما لم تكن تطمع به في حياة أبي طالب، حتى اعترضه سفيه من سفهاء قريش، فنثر على رأسه ترابا قال ابن إسحاق: فحدثني هشام بن عروة، عن أبيه عروة بن الزبير، قال: لما نثر ذلك السفيه على رأس رسول الله صلى الله عليه وسلم ذلك التراب، دخل رسول الله صلى الله عليه وسلم بيته والتراب على رأسه، فقامت إليه إحدى بناته، فجعلت تغسل عنه التراب وهي تبكي، ورسول الله صلى الله عليه وسلم يقول لها:

لا تبكي يا بنية، فإن الله مانع أباك. قال: ويقول بين ذلك: ما نالت مني قريش شيئا أكرهه، حتى مات أبو طالب. وأُذي رسول الله صلى الله عليه وسلم كثيرًا وكان النفر الذين يؤذون رسول الله صلى الله عليه وسلم في بيته: أبا لهب، والحكم بن العاص بن أمية، وعقبة بن أبي معيط، وعدي بن حمراء الثقفي، وابن الأصداء الهذلي، وكانوا جيرانه لم يسلم منهم أحد إلا الحكم بن أبي العاص، فكان أحدهم يطرح عليه صلى الله عليه وسلم رحم الشاة وهو يصلي، وكان أحدهم يطرحها في برمته -القدر من الحجر- إذا نصبت له، حتى اتخذ رسول الله صلى الله عليه وسلم حجرا يستتر به منهم إذا صلى، فكان رسول الله صلى الله عليه وسلم إذا طرحوا عليه ذلك الأذى، كما حدث عمر ابن عبد الله بن عروة بن الزبير، عن عروة بن الزبير، يخرج به رسول الله صلى الله عليه وسلم على العود، فيقف به على بابه، ثم يقول: يا بني عبد مناف، أي جوار هذا! ثم يلقيه في الطريق. [السيرة النبوية لابن هشام 1/415 -416].

الدروس المستفادة

الدروس المستفادة من هذا الحدث

  • لا تصدك المحن والعقبات التي تكون في طريق الدعوة الإسلامية عن السير، ولا تبث فيك روح الدّعة والكسل، او اليأس والإحباط ما دمت تسير على هدى من الإيمان بالله وتوفيقه، فمن استمد القوة من الله فإنه جدير بألا يعرف لليأس والكسل معنى، إذ مادام الله هو ناصرك.
  • قد يحمي الداعية أحد أقاربه ممن ليسوا على منهجه، أو أحد المعارف ممن لهم سلطة أو مكانة، وفي ذلك فائدة للدعوة حين تكون مستضعفة، إذ يمنع الله به الأشرار من العدوان على الدين أو المتعبدين.
  • مكانة أمنا خديجة -رضي الله عنها -ودورها كأم وزوج، فهي مثل أعلى لدور المرأة التي تشارك الداعية همومه وآلامه، وفَقد مثل هذه الزوجة عند احتدام معارك الإصلاح خسارة كبيرة لا يملك معها زوجها الداعية إلا أن يحزن ويأسى
  • جواز الحزن على فقد القريب الحامي لدعوة الحق، وإن كان غير مؤمن بها، حزن تقتضيه طبيعة الإخلاص للدعوة، والوفاء له في تضحيته وتأييدها.
  • الوفاء خلق أصيل من مبادئ الإسلام العظيمة فقد ظل النبي صلى الله عليه وسلم -طيلة حياته يذكر فضل خديجة – رضي الله عنها -ويترحّم عليها، ويبر صديقاتها، ووفاء لعمه كان يستغفر له، إلى أن نهاه الله

{ مَا كَانَ لِلنَّبِيِّ وَالَّذِينَ آمَنُوا أَن يَسْتَغْفِرُوا لِلْمُشْرِكِينَ وَلَوْ كَانُوا أُولِي قُرْبَىٰ مِن بَعْدِ مَا تَبَيَّنَ لَهُمْ أَنَّهُمْ أَصْحَابُ الْجَحِيمِ}