﴿ وَمَا أَرْسَلْنَاكَ إِلا رَحْمَةً لِلْعَالَمِينَ

وجوب تغيير المنكر

الإثنين 09 جمادى الأولى 1443, الاثنين 13 ديسمبر 2021

قال الرافعي (2): من الواجبات التي خص بها رسول الله ﷺ: أنه إذا رأى منكراً وجب عليه أن ينكره، بخلاف غيره، فإنه يلزمه ذلك عند الإمكان.

 واستدل على ذلك بأن الله تعالى وعده العصمة بقوله: 

{وَٱللَّهُ يَعْصِمُكَ مِنَ ٱلنَّاسِ}

(3).

والمراد أنه بموجب هذه الآية الكريمة، ينبغي أن لا يخيفه شيء في سبيل تغيير المنكر.

 وقد نازعه في هذا الاستدلال بالآية الجلال بن البلقيني (4) فقال: إن مقتضى كلامه: أن ذلك كان واجباً عليه من مبدأ دعوته إلى مماته، وهذه الدعوة عامة والدليل خاص، أخص من ذلك فإن هذه الآية نزلت في الأواخر بالمدينة، ولم يكن الوجوب إلا بسببها على ما زعمه، فكيف يصح الدلالة بالأخص وهو ما بعد نزول الآية على الأعم وهو الزمان المتقدم والمستقبل؟.

______________________

2. هو، عبدالكريم بن محمد بن عبدالكريم، أبو القاسم الرافعي القزويني، فقيه من كبار الشافعية توفي سنة ثلاث وعشرين وستمائة هجرية.

3. سورة المائدة، الآية (67).

4. هو عبدالرحمن بن عمر بن رسلان الكناني العسقلاني في الأصل، ثم البلقيني المصري، أبو الفضل جلال الدين، من علماء الحديث بمصر، انتهت إليه رئاسة الفتوى بعد وفاة أبيه بالقاهرة، توفي سنة أربع وعشرين وثمانمائة.

 


قال ابن طولون: وهو بحث جيد، ويعضده أن هذه الآية: نزلت بالمدينة ما أخرجه الشيخان (1)  

عَنْ عَائِشَةُ ؤضي الله عنها قَالَت: أَرِقَ النَّبِيُّ ﷺ ذَاتَ لَيْلَةٍ فَقَالَ: (لَيْتَ رَجُلًا صَالِحًا مِنْ أَصْحَابِي يَحْرُسُنِي اللَّيْلَةَ) إِذْ سَمِعْنَا صَوْتَ السِّلَاحِ قَالَ (مَنْ هَذَا؟) قَالَ سَعْدٌ يَا رَسُولَ اللَّهِ جِئْتُ أَحْرُسُكَ فَنَامَ النَّبِيُّ ﷺ حَتَّى سَمِعْنَا غَطِيطَهُ

(2).

 وأورد النووي في الروضة سؤالاً فقال: قد يقال هذا ليس من الخصائص، بل كل مكلف تمكن من إزالة المنكر لزمه تغييره.

ثم أجاب: بأن المراد: لا يسقط عنه للخوف فإنه معصوم بخلاف غيره (3).

 أقول: والحقيقة إن هذه المسألة ليست من الخصائص، وكل مكلف بإزالة المنكر بحسب قدرته، وكون الرسول ﷺ معصوماً، فإن ذلك لا يخرجه عن القاعدة التي ذكرها النووي، فقدرته صلى الله عليه وسلم أعلى القدرات في هذا الميدان، وهو لن يدخرها عند رؤية المنكر.

 ولا تكون الخصوصية إلا بنص، ولا نص في المسألة.

______________________

1. متفق عليه (خ 7231، م 2410).

2. انظر مرشد المحتار ص 86.

3. غاية السول ص 103.

مواد ذات صلة