﴿ وَمَا أَرْسَلْنَاكَ إِلا رَحْمَةً لِلْعَالَمِينَ

إباحة الشهادة لنفسه ولولده

الثلاثاء 10 جمادى الأولى 1443, الثلاثاء 14 ديسمبر 2021

قالوا: اختص ﷺ بإباحة الشهادة لنفسه ولولده، ويقبل شهادة من شهد له، وإذا جاز ذلك جاز أن يحكم لولده، وولد ولده. وقد ذكر البيهقي ذلك في سننه (1).

واستدل بحديث عُمَارَةَ بْنِ خُزَيْمَةَ أَنَّ عَمَّهُ حَدَّثَهُ وَهُوَ مِنْ أَصْحَابِ النَّبِيِّ ﷺ أَنَّ النَّبِيَّ ﷺابْتَاعَ فَرَسًا مِنْ أَعْرَابِيٍّ فَاسْتَتْبَعَهُ النَّبِيُّ ﷺ لِيَقْضِيَهُ ثَمَنَ فَرَسِهِ فَأَسْرَعَ رَسُولُ اللَّهِ ﷺ الْمَشْيَ وَأَبْطَأَ الْأَعْرَابِيُّ فَطَفِقَ رِجَالٌ يَعْتَرِضُونَ الْأَعْرَابِيَّ فَيُسَاوِمُونَهُ بِالْفَرَسِ وَلَا يَشْعُرُونَ أَنَّ النَّبِيَّ ﷺ ابْتَاعَهُ فَنَادَى الْأَعْرَابِيُّ رَسُولَ اللَّهِ ﷺ فَقَالَ إِنْ كُنْتَ مُبْتَاعًا هَذَا الْفَرَسِ وَإِلَّا بِعْتُهُ فَقَامَ النَّبِيُّ ﷺ حِينَ سَمِعَ نِدَاءَ الْأَعْرَابِيِّ فَقَالَ: (أَوْ لَيْسَ قَدْ ابْتَعْتُهُ مِنْكَ!) فَقَالَ الْأَعْرَابِيُّ لَا وَاللَّهِ مَا بِعْتُكَهُ فَقَالَ النَّبِيُّ ﷺ بَلَى قَدْ ابْتَعْتُهُ مِنْكَ فَطَفِقَ الْأَعْرَابِيُّ يَقُولُ هَلُمَّ شَهِيدًا فَقَالَ خُزَيْمَةُ بْنُ ثَابِتٍ أَنَا أَشْهَدُ أَنَّكَ قَدْ بَايَعْتَهُ فَأَقْبَلَ النَّبِيُّ ﷺ عَلَى خُزَيْمَةَ فَقَالَ: (بِمَ تَشْهَدُ؟) فَقَالَ بِتَصْدِيقِكَ يَا رَسُولَ اللَّهِ فَجَعَلَ رَسُولُ اللَّهِ ﷺ شَهَادَةَ خُزَيْمَةَ بِشَهَادَةِ رَجُلَيْنِ 

(2).

ويؤكد صحة حديث أبي داود ما جاء في البخاري  بْنِ زَيْدٍ أَنَّ زَيْدَ بْنَ ثَابِتٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ قَالَ: 

نَسَخْتُ الصُّحُفَ فِي الْمَصَاحِفِ فَفَقَدْتُ آيَةً مِنْ سُورَةِ الْأَحْزَابِ كُنْتُ أَسْمَعُ رَسُولَ اللَّهِ ﷺ يَقْرَأُ بِهَا فَلَمْ أَجِدْهَا إِلَّا مَعَ خُزَيْمَةَ بْنِ ثَابِتٍ الْأَنْصَارِيِّ الَّذِي جَعَلَ رَسُولُ اللَّهِ ﷺ شَهَادَتَهُ شَهَادَةَ رَجُلَيْنِ وَهُوَ قَوْلُهُ: {مِنْ الْمُؤْمِنِينَ رِجَالٌ صَدَقُوا مَا عَاهَدُوا اللَّهَ عَلَيْهِ} .

(3)(4)

______________________

1. مرشد المحتار ص 224، واللفظ المكرم 1/ 340.

2. أخرجه أبو داود برقم (3607).

3. سورة الأحزاب، الآية (23).

4. أخرجه البخاري برقم (2807).



وأقول: أين موضوع شهادة النبي ﷺ لنفسه وولده، وأين الحكم لنفسه وولده، والحديث لم يبين ماذا حدث بعد شهادة خزيمة، هل أمضى رسول الله ﷺ البيع، أم تركه؟

وكل ما في الواقعة هو إثبات هذه المزية لخزيمة، كما ثبتت صفة (أمين الأمة) لأبي عبيدة، وهذه المزية ليست قاصرة على شهادته لرسول الله ﷺ، بل هي في حقه وحق غيره، ولهذا قبل زيد بن ثابت آية الأحزاب التي معه لهذا المعنى، واعتبر شهادته بشهادة رجلين، وكان زيد لا يقبل الآية إلا بعد شهادة رجلين، وقبل هذه الآية بشهادة خزيمة وحده.

 وإذن، فليس في هذه المسألة خصوصية. ويؤكد هذا أن أبا داود عنون لهذا الحديث بقوله: "باب إذا علم الحاكم صدق الشاهد الواحد يجوز له أن يحكم به" مما يدل على أنه لم ينظر لها على أنها خصوصية.

 وخزيمة رضي الله عنه لم يشهد هنا على الواقعة، وإنما شهد على أصل عام وهو صدق النبي ﷺ وأنه لا يقول إلا حقاً. فشهادته تدخل ضمن هذا الأصل العام.

 قال ابن حجر: وفيه فضيلة الفطنة في الأمور، وأنها ترفع منزلة صاحبها، لأن السبب الذي أبداه خزيمة حاصل في نفس الأمر، يعرفه غيره من الصحابة، إنما هو لما اختص بتفطنه لما غفل عنه غيره مع وضوحه، حوزى على ذلك بأن خص بفضيلة من شهد له خزيمة أو غيره من الصحابة إنما هو كما  عليه فحسب.

______________________

1. فتح الباري 8/ 519.


مواد ذات صلة