﴿ وَمَا أَرْسَلْنَاكَ إِلا رَحْمَةً لِلْعَالَمِينَ

الإثنين 13 ربيع الأوّل 1446, الاثنين 16 سبتمبر 2024

وكان أبو طالب هو الذي يلي أمر رسول الله صلى الله عليه وسلم بعد جده، وكان لا ينام إلا إلى جنبه، ويخرج فيخرج معه.

وصب به أبو طالب صبابة لم يصب مثلها بشئ قط.

وكان يخصه بالطعام، وكان إذا أكل عيال أبي طالب جميعا أو فرادى لم يشبعوا، وإذا أكل معهم رسول الله صلى الله عليه وسلم شبعوا.

فكان إذا أراد أن يغديهم قال كما أنتم حتى يأتي ولدى.

فيأتي رسول الله صلى الله عليه وسلم فيأكل معهم فكانوا يفضلون من طعامهم، وإن لم يكن معهم لم يشبعوا فيقول أبو طالب: إنك لمبارك.

وكان الصبيان يصبحون رمصا شعثا ويصبح رسول الله صلى الله عليه وسلم دهينا كحيلا.

وكان أبو طالب يقرب إلى الصبيان صفحتهم أول البكرة، فيجلسون وينتهبون، ويكف رسول الله صلى الله عليه وسلم يده فلا ينتهب معهم فلما رأى ذلك عمه عزل له طعامه على حدة.

وكان رجلا من لهب عائفا - يتفرس في خلقة الإنسان فيخبر بما يؤول حاله إليه-، فكان إذا قدم مكة أتاه رجال قريش بغلمانهم ينظر إليهم ويعتاف لهم فيهم. قال: فأتى به أبو طالب وهو غلام، مع من يأتيه، فنظر إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم، ثم شغله عنه شيء، فلما فرغ قال: الغلام عليّ به، فلما رأى أبو طالب حرصه عليه غيبه عنه، فجعل يقول: ويلكم، ردوا عليّ الغلام الذي رأيت آنفا، فو الله ليكونن له شأن. قال: فانطلق أبو طالب. [السيرة النبوية لابن هشام 1/179 – 180، السيرة النبوية لابن كثير 1/242].

الدروس المستفادة

الدروس المستفادة من هذا الحدث

  • تحزن أيها اليتيم فقد كان نبيك يتيما مثلك، بل إنه لم ير أباه قط، وما شبع من حنان أمه، وفي هذا تسلية لك، وإعانة على عدم اليأس.

{أَلَمْ يَجِدْكَ يَتِيمًا فَآوَى}

أي: وجدك لا أم لك، ولا أب، بل قد مات أبوه وأمه وهو لا يدبر نفسه، فآواه الله، وكفله جده عبد المطلب، ثم لما مات جده كفله الله عمه أبا طالب، حتى أيده بنصره وبالمؤمنين.

  • فضل الله تعالى على من يؤويه، وكرمه على من يغنيه، فهو – سبحانه -قد تولى إِعداد النبي -وتربيته، وسخر له في كل مرحلة من مراحل حياته من يصلح لتلك المرحلة، وهذا من جميل ترتيب الله وتقديره لعبده.
  • 4-  خير من يتولى أمورك بعد الله هم أقاربك، فعود أولادك على حبهم، وحثهم على صلتهم، فإن توفاك الله، كانوا خلفا لك معهم، وتواصلوا حتى يبلغوا أشدهم.
  • علاقة عبد الله ومكانة آمنة في قلوب الناس جعلت للنبي - -مكانة عالية فكان هذا من دواعي التسارع لكفالته، فكن على حسن اتصال بأقاربك، ليكونوا على اتصال بأولادك بعد وفاتك.
  • يامن تتعرض لمشاكل في حياتك ويامن تحدث لك عواقب، لا تيأس فنبيك توفى أبوه وتوفيت أمه وجده وكان يتيما، ومع كل هذا كان أفضل الناس وأنجحهم.
  • التربية على التعود على النفس، وعد م الاتكال على الغير من أهم الأسباب في تعلمك صدق التوكل، وخلع الأسباب من قلبك، ولا يدخل قلبك إلا الله إذ هو من يؤويك ويحبك، فكان الرسول يتيما كي لا يعتمد على أي أحد من صغره، فيكون على اتصال بالله وثيق، وقرب منه حقيق.
  • إذا اشتدت الأزمات وقويت الكروب، فإنها تصنع رجلا يتحمل وعقلا يفكر، وإنه لدليل على قرب الانفراج.
  • شاء الله تعالى لعبده وأحب خلقه إليه اليتم والفقر ليكون على يديه فيما بعد هداية الإنسانية وشفائها من آلامها المادية كاليتم والفقر، والمعنوية التي تتمثل بالضلال والتيه. ولهذا كان التوجيه الرباني له على ضوء عطائه له

{أَلَمْ يَجِدْكَ يَتِيمًا فَآوَى (6) وَوَجَدَكَ ضَالًّا فَهَدَى (7) وَوَجَدَكَ عَائِلًا فَأَغْنَى}