﴿ وَمَا أَرْسَلْنَاكَ إِلا رَحْمَةً لِلْعَالَمِينَ

الخميس 16 ربيع الأوّل 1446, الخميس 19 سبتمبر 2024

صرفت القبلة في شعبان على رأس ثمانية عشر شهرا من مقدم رسول الله ﷺ المدينة.

ولما صرفت القبلة عن الشام إلى الكعبة، وصرفت في رجب، فأتى رسول الله ﷺ رفاعة بن قيس، وقردم بن عمرو، وكعب بن الأشرف، ورافع بن أبي رافع، والحجاج بن عمرو، حليف كعب بن الأشرف، والربيع بن الربيع بن أبي الحقيق، وكنانة بن الربيع بن أبي الحقيق، فقالوا:

يا محمد، ما ولاك عن قبلتك التي كنت عليها وأنت تزعم أنك على ملة إبراهيم ودينه؟ ارجع إلى قبلتك التي كنت عليها نتبعك ونصدقك، وإنما يريدون بذلك فتنته عن دينه. فأنزل الله تعالى فيهم:

سَيَقُولُ السُّفَهاءُ مِنَ النَّاسِ مَا وَلَّاهُمْ عَنْ قِبْلَتِهِمُ الَّتِي كانُوا عَلَيْها، قُلْ لِلَّهِ الْمَشْرِقُ وَالْمَغْرِبُ، يَهْدِي مَنْ يَشاءُ إِلى صِراطٍ مُسْتَقِيمٍ. وَكَذلِكَ جَعَلْناكُمْ أُمَّةً وَسَطاً لِتَكُونُوا شُهَداءَ عَلَى النَّاسِ، وَيَكُونَ الرَّسُولُ عَلَيْكُمْ شَهِيداً. وَما جَعَلْنَا الْقِبْلَةَ الَّتِي كُنْتَ عَلَيْها إِلَّا لِنَعْلَمَ مَنْ يَتَّبِعُ الرَّسُولَ مِمَّنْ يَنْقَلِبُ عَلى عَقِبَيْهِ

[2: 142- 143]

أي ابتلاء واختبارا وَإِنْ كانَتْ لَكَبِيرَةً إِلَّا عَلَى الَّذِينَ هَدَى اللَّه [2: 143]،

أي من الفتن: أي الذين ثبت الله وَما كانَ اللَّهُ لِيُضِيعَ إِيمانَكُمْ [2: 143]، أي إيمانكم بالقبلة الأولى، وتصديقكم نبيكم، واتباعكم إياه إلى القبلة الآخرة، وطاعتكم نبيكم فيها: أي ليعطينكم أجرهما جميعا إِنَّ الله بِالنَّاسِ لَرَؤُفٌ رَحِيمٌ [2: 143]. ثم قال تعالى: قَدْ نَرى تَقَلُّبَ وَجْهِكَ فِي السَّماءِ فَلَنُوَلِّيَنَّكَ قِبْلَةً تَرْضاها، فَوَلِّ وَجْهَكَ شَطْرَ الْمَسْجِدِ الْحَرامِ، وَحَيْثُ مَا كُنْتُمْ فَوَلُّوا وُجُوهَكُمْ شَطْرَهُ [2: 144]. [السيرة النبوية لابن هشام 1/550 – 606]


الدروس المستفادة

الدروس المستفادة من هذا الحدث

  • التمييز بين الصادقين وغيرهم سنة الله في أمة الإسلام:
  • اليهود قوم بُهت:
  • التطبيق العملي من (تحويل القبلة) هو: تحويل حالنا مع الله؛ تحويل حالنا من العقائد المنحرفة والخرافات الضالة والشعارات الخادعة إلى العقيدة السليمة المستقيمة.

للمرة الثانية في أقل من خمس سنوات بعد الإسراء والمعراج ينتقص عدد المسلمين إثر حادث ضخم آخر للأمة ألا وهو تحويل القبلة حيث ارتد قوم عن الإسلام مرة أخرى!

أجاب الله على المتسائلين عن السبب فقال:

﴿إِلَّا لِنَعْلَمَ مَنْ يَتَّبِعُ الرَّسُولَ مِمَّنْ يَنْقَلِبُ عَلَى عَقِبَيْهِ وَإِنْ كَانَتْ لَكَبِيرَةً إِلَّا عَلَى الَّذِينَ هَدَى اللَّهُ﴾

[البقرة: 143].

يتضح لنا من القصة أن أهل الكتاب من اليهود أهل جحود وإنكار وهم قوم بهت كما وصفهم حبرهم السابق عبد الله بن سلام رضي الله عنه حينما أسلم، عن أنس بن مالك - رضي الله عنه - قال:

( أن عبد الله بن سلام بلغه مقدم النبي - ﷺ - المدينة، فأتاه يسأله عن أشياء، فقال: إني سائلك عن ثلاث لا يعلمهن إلا نبي: ما أول أشراط الساعة؟، وما أول طعام يأكله أهل الجنة؟، وما بال الولد ينزع إلى أبيه أو إلى أمه ؟، قال: أخبرني به جبريل آنفا، قال ابن سلام: ذاك عدو اليهود من الملائكة، قال: أما أول أشراط الساعة فنار تحشرهم من المشرق إلى المغرب، وأما أول طعام يأكله أهل الجنة فزيادة كبد الحوت، وأما الولد: فإذا سبق ماء الرجل ماء المرأة نزع الولد، وإذا سبق ماء المرأة ماء الرجل نزعت الولد، قال: أشهد أن لا إله إلا الله، وأنك رسول الله، قال: يا رسولَ اللهِ، إن اليهود قوم بُهْت، فاسألهم عنِّي قبل أن يعلموا بإسلامي، فجاءت اليهود، فقال النبي - ﷺ -: أي رجل عبد الله بن سلام فيكم؟!، قالوا: خيرنا وابن خيرنا، وأفضلنا وابن أفضلنا، فقال النبي - ﷺ -: أرأيتم إن أسلم عبد الله بن سلام؟!، قالوا: أعاذه الله من ذلك، فأعاد عليهم فقالوا مثل ذلك، فخرج إليهم عبد الله فقال: أشهد أن لا إله إلا الله، وأن محمدا رسول الله، قالوا: شرُّنا وابن شرِّنا، وتنقصوه، قال: هذا كنتُ أخاف يا رسولَ الله )

رواه البخاري

  • تحويل حالنا من ارتكاب المعاصي والخنا والمسكرات المخدرات والجرائم والفجور إلى العبادة والطاعة والعمل ليوم النشور.
  • تحويل حالنا من الكسل والخمول والتسكع إلي السعي والكسب والاجتهاد وابتغاء الرزق.
  • تحويل حالنا من الظلم والقهر والاستبداد، إلى العدل والحرية والمساواة.
  • تحويل حالنا من التشرذم والتحزب والتشتت والاختلاف إلى الوحدة والاتحاد والاعتصام والائتلاف.
  • تحويل حالنا من الحقد والغل والحسد والبغضاء لبعضنا البعض، إلى الحب والنقاء والإيثار والإخاء والتراحم فيما بيننا. 
  • وبالجملة تغيير وتحويل شامل جمعه الله في قوله:

﴿إِنَّ اللَّهَ لَا يُغَيِّرُ مَا بِقَوْمٍ حَتَّى يُغَيِّرُوا مَا بِأَنْفُسِهِمْ﴾

[الرعد: 11]