﴿ وَمَا أَرْسَلْنَاكَ إِلا رَحْمَةً لِلْعَالَمِينَ

حادثة شق الصدر

الإثنين 13 ربيع الأوّل 1446, الاثنين 16 سبتمبر 2024

قالت حليمة: فرجعنا به -بعد أن ردته أمه-، فو الله إنه بعد مقدمنا به بأشهر مع أخيه لفي بَهَم -الغنم الصغار- لنا خلف بيوتنا، إذ أتانا أخوه يشتد -يسرع-، فقال لي ولأبيه: ذاك أخي القُرَشي قد أخذه رجلان عليهما ثياب بيض، فأضجعاه، فشقا بطنه.

قالت: فخرجت أنا وأبوه نحوه، فوجدنا قائما منتقعا -متغيرًا- وجهه. قالت: فالتزمته والتزمه أبوه، فقلنا له: مالك يا بني، قال: جاءني رجلان عليهما ثياب بيض، فأضجعاني وشقا بطني، فالتمسا فيه شيئا لا أدري ما هو. قالت: فرجعنا به إلى خبائنا.

قالت: وقال لي أبوه يا حليمة، لقد خشيت أن يكون هذا الغلام قد أصيب فألحقيه بأهله قبل أن يظهر ذلك به، قالت: فاحتملناه، فقدمنا به على أمه، فقالت: ما أقدمك به يا ظئر -تقصد المرضع العطوفة- وقد كنت حريصة عليه، وعلى مكثه عندك؟

قالت: فقلت: قد بلغ الله بابني وقضيت الذي علي، وتخوفت الأحداث، عليه، فأديته إليك كما تحبين، قالت: ما هذا شأنك، فاصدقيني خبرك.

قالت: فلم تدعني حتى أخبرتها. قالت: أفتخوفت عليه الشيطان؟ قالت: قلت نعم، قالت: كلا، والله ما للشيطان عليه من سبيل، وإن لبنيّ لشأنا، أفلا أخبرك خبره، قالت حليمة: قلت بلى، قالت: رأيت حين حملت به، أنه خرج مني نور أضاء لي قصور بُصرى من أرض الشام، ثم حملت به، فو الله ما رأيت من حمل قط كان أخف عليّ ولا أيسر منه، ووقع حين ولدته وإنه لواضع يديه بالأرض، رافع رأسه إلى السماء، دعيه عنك وانطلقي راشدة.

وأخبر بذلك النبي -صلى الله عليه وسلم- حين سأله نفر من أصحابه -صلى الله عليه وسلم- فقالوا له: يا رسول الله، أخبرنا عن نفسك؟ قال: نَعَمْ، أَنَا دَعْوَةُ أَبِي إبْرَاهِيمَ، وَبُشْرَى (أَخِي) عِيسَى، وَرَأَتْ أُمِّي حِينَ حَمَلَتْ بِي أَنَّهُ خَرَجَ مِنْهَا نُورٌ أَضَاءَ لَهَا قُصُورَ الشَّامِ، وَاسْتُرْضِعْتُ فِي بَنِي سَعْدِ بْنِ بَكْرٍ، فَبَيْنَا أَنَا مَعَ أَخٍ لِي خَلْفَ بُيُوتِنَا نَرْعَى بَهْمًا لَنَا، إذْ أَتَانِي رَجُلَانِ عَلَيْهِمَا ثِيَابٌ بِيضٌ بِطَسْتٍ مِنْ ذَهَبٍ مَمْلُوءَةٍ ثَلْجًا، ثُمَّ أَخَذَانِي فَشَقَّا بَطْنِي، وَاسْتَخْرَجَا قلبِي فشقّاه، فاستخرجنا مِنْهُ عَلَقَةً سَوْدَاءَ فَطَرَحَاهَا، ثُمَّ غَسَلَا قَلْبِي وَبَطْنِي بِذَلِكَ الثَّلْجِ حَتَّى أَنْقَيَاهُ، ثُمَّ قَالَ أَحَدُهُمَا لِصَاحِبِهِ زِنْهُ بِعَشَرَةِ مِنْ أُمَّتِهِ، فَوَزَنَنِي بِهِمْ فَوَزَنْتهمْ، ثُمَّ قَالَ: زنه بِمِائَة مِنْ أُمَّتِهِ، فَوَزَنَنِي بِهِمْ فَوَزَنْتهمْ، ثُمَّ قَالَ: زَنِّهِ بِأَلْفِ مِنْ أُمَّتِهِ، فَوَزَنَنِي بِهِمْ فَوَزَنْتهمْ، فَقَالَ: دَعه أمته، فوزنني بهم فوزنتهم، ثم قال: زنه بمائة من أمته، فوزنني بهم فوزنتهم، ثم قال: زنه بألف من أمته، فوزنني بهم فوزنتهم، فقال: دعه عنك، فو الله لو وزنته بأمته لوزنها عَنْك، فو الله لَوْ وَزَنْتَهُ بِأُمَّتِهِ لَوَزَنَهَا. [السيرة النبوية لابن هشام 1/164 -166].