"لَا إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ مُحَمَّد رَسُولُ اللَّه"
تلك هي الكلمة التي كان رسول الله ﷺ يطلب من الناس أن يقولوها.
وتلك الكلمة هي الباب الذي يُدخل منه إلى الإسلام. .
وبها يعلن المسلم هويته، فهذا أبو ذر يقف في المسجد الحرام ليرفع صوته قائلاً: " أَشْهَدُ أَنْ لَا إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ وَأَنَّ مُحَمَّدًا رَسُولُ اللَّهِ" وكان ذلك كافياً ليثور القوم عليه. . (1).
وهذا رسول الله ﷺ يطوف على الناس في موسم الحج، ليقول لهم:
"يا أيها الناس، قولوا: "لا إله إلا الله" تفلحوا" (2)
إنها كلمة، ولكنها كلمة متميزة. .
جاء القوم إلى أبي طالب حين قرب أجله يكلمونه بأمر رسول الله ﷺ. . وحضر صلى الله عليه وسلم ليقول لهم: "كلمة واحدة تعطونيها تملكون بها العرب وتدين لكم بها العجم" فقال أبو جهل: نعم وأبيك، وعشر كلمات قال: تقولون: لا إله إلا الله، وتخلعون ما تعبدون من دونه. ." فصفقوا بأيديهم. .(3).
____________________
1. متفق عليه، وهو عند مسلم برقم 2474، وعند البخاري برقم 3522.
2. أخرجه الطبراني، وقال الهيثمي: رجاله ثقات. انظر حياة الصحابة للكاندهلوي 1/ 72.
3. سيرة ابن هشام 1/ 417.
تلك هي الكلمة المطلوبة، ولقد فهم المسلمون المقصود منها، كما فهمه الكافرون على حد سواء، فهمها المسلمون فالتزموا بما تفرضه عليهم من مسؤوليات، وقاومها الكافرين لأنهم فهموا معناها وما يترتب عليها من ذهاب كيانهم، وتحطم طغيانهم، وتهافت أساطيرهم وأوهامهم.
إن هذه الشهادة تقوم على ركنين:
الأول: وبه يكون الإقرار بالعبودية لله تعالى وحده. .
والثاني: ويعني أن معرفة كيفية الالتزام بالعبودية لله تعالى إنما يكون بالتلقي عن رسول الله. .
وهكذا تنحسر من حياة المسلم كل الضلالات والأوهام. . ويصبح منقاداً لهذا الرسول الكريم يتلقى عنه ما يأتيه به، في ثقة كاملة، وإيمان لا يتزعزع.
تلك هي القاعدة التي تقوم عليها حياة المؤمن، تنساب إلى القلب بسهولة ويسر لأنها تمثل الحقيقة التي لا شك فيها، ولهذا تتقبلها الفطرة لأنها الصفاء الذي لم يخالطه الغبش. .
وكان من حكمة الله تعالى، أن جعل لترسيخ هذه القاعدة - على بساطتها - المدة الكافية، وهي الفترة المكية، فقد ظل الوحي ينزل ثلاثة عشر عاماً هذه القاعدة ضمن التطبيق العملي في واقع الحياة. .
ظل القرآن في كل تلك الآيات التي نزلت في مكة يقرر هذه القاعدة تارة، وينفي عنها كل لبس تارة أخرى، ويناقش العقائد الباطلة تارة ثالثة. . وهكذا.
كان المشركون من قريش يقرون بأن الله تعالى هو الخالق. . وقد سجل القرآن هذا الموقف، ولكنهم كانوا يجعلون معه شركاء وجاءت الآيات لتقرر أمر الوحدانية بشكل واضح لا لبس فيه ولا غموض. .
{وَقَالَ ٱللَّهُ لَا تَتَّخِذُوٓا إِلَٰهَيْنِ ٱثْنَيْنِ ۖ إِنَّمَا هُوَ إِلَٰهٌ وَٰحِدٌ ۖ فَإِيَّٰىَ فَٱرْهَبُونِ وَلَهُۥ مَا فِى ٱلسَّمَٰوَٰتِ وَٱلْأَرْضِ وَلَهُ ٱلدِّينُ وَاصِبًا ۚ أَفَغَيْرَ ٱللَّهِ تَتَّقُونَ} (1)
ودحض القرآن حجتهم في قولهم:
{مَا نَعْبُدُهُمْ إِلَّا لِيُقَرِّبُونَآ إِلَى ٱللَّهِ زُلْفَىٰٓ} (2). . .
كما وجه إلى إعمال العقل في نفي الشريك عنه تعالى:
{أَمِ ٱتَّخَذُوٓا ءَالِهَةً مِّنَ ٱلْأَرْضِ هُمْ يُنشِرُونَ لَوْ كَانَ فِيهِمَآ ءَالِهَةٌ إِلَّا ٱللَّهُ لَفَسَدَتَا ۚ فَسُبْحَٰنَ ٱللَّهِ رَبِّ ٱلْعَرْشِ عَمَّا يَصِفُونَ لَا يُسْـَٔلُ عَمَّا يَفْعَلُ وَهُمْ يُسْـَٔلُونَ} (3).
وجاءت سورة الإخلاص لتؤكد الوحدانية وتنفي الطرف الآخر من الشرك وهو اعتقاد الولد لله - سبحانه عما يصفون - فقالت:
{قُلْ هُوَ ٱللَّهُ أَحَدٌ ٱللَّهُ ٱلصَّمَدُ لَمْ يَلِدْ وَلَمْ يُولَدْ وَلَمْ يَكُن لَّهُۥ كُفُوًا أَحَدٌۢ} (4).
وتتابعت الآيات لتقرر كل القضايا الأخرى المرتبطة بأمر الألوهية. . فالشعائر التعبدية كلها لا تكون إلا الله. .
{قُلْ إِنَّ صَلَاتِى وَنُسُكِى وَمَحْيَاىَ وَمَمَاتِى لِلَّهِ رَبِّ ٱلْعَٰلَمِينَ لَا شَرِيكَ لَهُۥ ۖ وَبِذَٰلِكَ أُمِرْتُ وَأَنَا۠ أَوَّلُ ٱلْمُسْلِمِينَ. .} (5).
والدين - الذي من معانيه الخضوع - لا يكون إلا لله.
{إِنَّآ أَنزَلْنَآ إِلَيْكَ ٱلْكِتَٰبَ بِٱلْحَقِّ فَٱعْبُدِ ٱللَّهَ مُخْلِصًا لَّهُ ٱلدِّينَ أَلَا لِلَّهِ ٱلدِّينُ ٱلْخَالِصُ ۚ . .} (6)
____________________
1. سورة النحل: الآيتان 51- 52.
2. سورة الزمر: الآية 3.
3. سورة الأنعام: الآيتان 162- 163.
4. سورة الزمر: الآية 3.
5. سورة الأنعام: الآيتان 162- 163.
6. سورة الزمر: الآيتان 2- 3.
{هُوَ ٱلْحَىُّ لَآ إِلَٰهَ إِلَّا هُوَ فَٱدْعُوهُ مُخْلِصِينَ لَهُ ٱلدِّينَ ۗ ٱلْحَمْدُ لِلَّهِ رَبِّ ٱلْعَٰلَمِينَ} (1).
والانصياع لا يكون إلا لحكم الله تعالى. .
{إِنِ ٱلْحُكْمُ إِلَّا لِلَّهِ ۚ أَمَرَ أَلَّا تَعْبُدُوٓا إِلَّآ إِيَّاهُ ۚ ذَٰلِكَ ٱلدِّينُ ٱلْقَيِّمُ} (2)
{أَمْ لَهُمْ شُرَكَٰٓؤُا شَرَعُوا لَهُم مِّنَ ٱلدِّينِ مَا لَمْ يَأْذَنۢ بِهِ ٱللَّهُ ۚ } (3).
وهكذا تتابعت الآيات لتجلو بوضوح كل أمر يتعلق بهذا الشأن حتى وصلت تتابعت الآيات لتجلو بوضوح كل أمر يتعلق بهذا الشأن حتى وصلت بالمؤمن إلى التصور الصحيح والكامل الشامل في شأن الألوهية. . يقابله في الطرف الآخر أمر العبودية لله وشموله لجميع تصرفات العبد. .
وكان من حكمته تعالى أيضاً أن بين حقيقة الرسالة والرسول. . وكان هذا البيان ضرورياً حتى لا يحصل الزيغ والانحراف الذي حصل في الأمم السابقة في هذا الصدد.
وكثيراُ ما كان تقرر بعض هذه الحقائق - على الرغم من وضوحها - أثناء مناقشة المشركين والرد عليهم جول تصورهم عما ينبغي أن يكون عليه الرسول ونستطيع أن نلخص الأمور الرئيسة بالآتي:
* تقرير بشرية الرسول ﷺ:
{قُلْ إِنَّمَآ أَنَا۠ بَشَرٌ مِّثْلُكُمْ يُوحَىٰٓ إِلَىَّ أَنَّمَآ إِلَٰهُكُمْ إِلَٰهٌ وَٰحِدٌ ۖ . .} (4).
ولقد اعترض المشركون أن يكون الرسول بشراً فقالوا:
____________________
1. سورة غافر: الآية 65.
2. سورة يوسف: الآية 40.
3. سورة الشورى: الآية 21.
4. سورة الكهف: الآية 110.
{وَقَالُوا مَالِ هَٰذَا ٱلرَّسُولِ يَأْكُلُ ٱلطَّعَامَ وَيَمْشِى فِى ٱلْأَسْوَاقِ ۙ لَوْلَآ أُنزِلَ إِلَيْهِ مَلَكٌ فَيَكُونَ مَعَهُۥ نَذِيرًا} (1).
ورد الله تعالى عليهم بقوله:
{وَمَآ أَرْسَلْنَا قَبْلَكَ مِنَ ٱلْمُرْسَلِينَ إِلَّآ إِنَّهُمْ لَيَأْكُلُونَ ٱلطَّعَامَ وَيَمْشُونَ فِى ٱلْأَسْوَاقِ ۗ . .} (2).
{وَمَآ أَرْسَلْنَا قَبْلَكَ إِلَّا رِجَالًا نُّوحِىٓ إِلَيْهِمْ ۖ فَسْـئَلُوٓا أَهْلَ ٱلذِّكْرِ إِن كُنتُمْ لَا تَعْلَمُونَ وَمَا جَعَلْنَٰهُمْ جَسَدًا لَّا يَأْكُلُونَ ٱلطَّعَامَ وَمَا كَانُوا خَٰلِدِينَ} (3).
* إنه رسول مثل الرسل السابقين:
وسيرة هؤلاء الرسل في تاريخ الأمم معروفة تتداولها الأجيال. إنهم أعلام الهدى في الأمم. وجاء القرآن ليؤكد هذا الأمر ليستقر حقيقة من حقائق هذا الدين.
{يسٓ وَٱلْقُرْءَانِ ٱلْحَكِيمِ إِنَّكَ لَمِنَ ٱلْمُرْسَلِينَ عَلَىٰ صِرَٰطٍۢ مُّسْتَقِيمٍۢ. .} (4).
* مهمته تبليغ الرسالة:
فهو لا يتصرف بشيء من عنده، كما لا تصرف له في الكون، وليس له شيء من صفات الألوهية. .
{قُلْ مَا كُنتُ بِدْعًا مِّنَ ٱلرُّسُلِ وَمَآ أَدْرِى مَا يُفْعَلُ بِى وَلَا بِكُمْ ۖ إِنْ أَتَّبِعُ إِلَّا مَا يُوحَىٰٓ إِلَىَّ وَمَآ أَنَا۠ إِلَّا نَذِيرٌ مُّبِينٌ} (5).
____________________
1. سورة الفرقان: الآية 7.
2. سورة الفرقان: الآية 20.
3. سورة الأنبياء: الآيتان 7-8.
4. سورة يس: الآيات 1- 4.
5. سورة الأحقاف: الآية 9.
{وَيَقُولُونَ مَتَىٰ هَٰذَا ٱلْوَعْدُ إِن كُنتُمْ صَٰدِقِينَ قُلْ إِنَّمَا ٱلْعِلْمُ عِندَ ٱللَّهِ وَإِنَّمَآ أَنَا۠ نَذِيرٌ مُّبِينٌ} (1).
{وَإِن كَانَ كَبُرَ عَلَيْكَ إِعْرَاضُهُمْ فَإِنِ ٱسْتَطَعْتَ أَن تَبْتَغِىَ نَفَقًا فِى ٱلْأَرْضِ أَوْ سُلَّمًا فِى ٱلسَّمَآءِ فَتَأْتِيَهُم بِـَٔايَةٍۢ ۚ وَلَوْ شَآءَ ٱللَّهُ لَجَمَعَهُمْ عَلَى ٱلْهُدَىٰ ۚ فَلَا تَكُونَنَّ مِنَ ٱلْجَٰهِلِينَ} (2).
* إنه ذو خلق عظيم:
وهو بشر من الناس ولكنه فطر على الأخلاق الفاضلة، فهي خلقه الذي يتخلق به
{وَإِنَّكَ لَعَلَىٰ خُلُقٍ عَظِيمٍۢ} (3).
هذا الخلق العظيم الذي يكون به أسوة للناس، وبه يسع الناس على اختلاف طبائعهم، وبه يخاطب الناس على قدر عقولهم. .
وهكذا وخلال سنوات مكة تعلم الصحابة من خلال الوقائع وبالتطبيق العملي أنه لا إله إلا الله وأن محمداً رسول الله.
يلجؤون إلى الله تعالى، يدعونه خوفاً وطمعاً، يتجهون إليه بعباداتهم ودعائهم، يحمدونه أن هداهم للإيمان. .
ويتعاملون مع رسولهم الكريم من منطلق الحقائق التي ذكرناها، والتي وجههم القرآن إليها.
لقد رأوا فيه من الرحمة بهم والعطف عليهم ما لا يجده الولد من والده. فهذا زيد بن حارثة يرفض الذهاب مع والده إلى أهله وعشيرته ويؤثر البقاء قريباً منه صلى الله عليه وسلم.
____________________
1. سورة الملك: الآيتان 25- 26.
2. سورة الأنعام: الآية 35.
3. سورة القلم: الآية 4.
وتعلموا من خلال الواقع أنه ﷺ لا يعلم الغيب وأنه بشر. .فهاهم المشركون يسألونه - بتعليم من اليهود - عن فتية ذهبوا في الدهر. فقال لهم صلى الله عليه وسلم:
"أخبركم بما سألتم غداً، ولم يستثن. . فمكث ﷺ خمس عشرة ليلة لا يأتيه الوحي. . ثم نزل ليعطيه الجواب في سورة الكهف وليقول له: {وَلَا تَقُولَنَّ لِشَاىْءٍ إِنِّى فَاعِلٌ ذَٰلِكَ غَدًا إِلَّآ أَن يَشَآءَ ٱللَّهُ ۚ وَٱذْكُر رَّبَّكَ إِذَا نَسِيتَ. .} (1).
ولقد كانت أياماً مؤلمة للرسول الكريم ولصحابته الكرام. . وهم يسمعون قول الكافرين: وعدنا محمد غداً، واليوم خمس عشرة ليلة. .
ولكنهم تعلموا أن الأمور بيد الله تعالى، لم يتعلموها نظرية تقرأ، وإنما عايشوا ذلك ساعة بعد ساعة. . واستقر في يقينهم أن الله فعال لما يريد. . وأن الرسول ﷺ إنما هو مبلغ ومنذر، يقود الناس إلى طريق الحق بأمر الله تعالى.
والإيمان بالغيب ركن من أركان هذه العقيدة.
يشمل الإيمان بوجود الملائكة وبوجود الجن. . والإيمان باليوم الآخر.
ولم يناقش القرآن المكي قضية من القضايا بالتفصيل الذي عرض فيه لأمر اليوم الآخر.
إنها قضية البعث بعد الموت.
وقضية الحساب والجزاء. .
وقضية الجنة والنار.
____________________
1. سورة الكهف: الآيتان 23 - 24.
وقد أنكر المشركون القضية الأولى. . وبالتالي القضايا التي تتبعها، ولشدة تعنت المشركين وتكذيبهم باليوم الآخر، كثرت الآيات التي قررت وجود هذا اليوم وبرهنت عليه بألساليب متعددة كل واحد منها كان كافياً لمن كان له قلب أو ألقى السمع وهو شهيد.
وحكت لنا سورة يس جانباً من هذه الإنكار ومناقشته، فقالت:
{وَضَرَبَ لَنَا مَثَلًا وَنَسِىَ خَلْقَهُۥ ۖ قَالَ مَن يُحْىِ ٱلْعِظَٰمَ وَهِىَ رَمِيمٌ قُلْ يُحْيِيهَا ٱلَّذِىٓ أَنشَأَهَآ أَوَّلَ مَرَّةٍۢ ۖ وَهُوَ بِكُلِّ خَلْقٍ عَلِيمٌ. .} (1)
وبعد هذا البرهان البين كانت هناك نقلة أخرى للفت النظر إلى ما هو أكبر:
{أَوَلَيْسَ ٱلَّذِى خَلَقَ ٱلسَّمَٰوَٰتِ وَٱلْأَرْضَ بِقَٰدِرٍ عَلَىٰٓ أَن يَخْلُقَ مِثْلَهُم ۚ بَلَىٰ وَهُوَ ٱلْخَلَّٰقُ ٱلْعَلِيمُ إِنَّمَآ أَمْرُهُۥٓ إِذَآ أَرَادَ شَيْـًٔا أَن يَقُولَ لَهُۥ كُن فَيَكُونُ. .} (2).
وفي سورة ق ينقل القرآن الكريم قول الكافرين {أَءِذَا مِتْنَا وَكُنَّا تُرَابًا ۖ ذَٰلِكَ رَجْعٌۢ بَعِيدٌ} ثم يكون الجواب بعد جولة في ملكوت السماوات والأرض.
{أَفَلَمْ يَنظُرُوٓا إِلَى ٱلسَّمَآءِ فَوْقَهُمْ كَيْفَ بَنَيْنَٰهَا وَزَيَّنَّٰهَا وَمَا لَهَا مِن فُرُوجٍۢ وَٱلْأَرْضَ مَدَدْنَٰهَا وَأَلْقَيْنَا فِيهَا رَوَٰسِىَ وَأَنۢبَتْنَا فِيهَا مِن كُلِّ زَوْجٍ بَهِيجٍۢ تَبْصِرَةً وَذِكْرَىٰ لِكُلِّ عَبْدٍۢ مُّنِيبٍۢ وَنَزَّلْنَا مِنَ ٱلسَّمَآءِ مَآءً مُّبَٰرَكًا فَأَنۢبَتْنَا بِهِۦ جَنَّٰتٍۢ وَحَبَّ ٱلْحَصِيدِ وَٱلنَّخْلَ بَاسِقَٰتٍۢ لَّهَا طَلْعٌ نَّضِيدٌ رِّزْقًا لِّلْعِبَادِ ۖ وَأَحْيَيْنَا بِهِۦ بَلْدَةً مَّيْتًا ۚ كَذَٰلِكَ ٱلْخُرُوجُ} (3).
____________________
1. سورة يس: الآيتان 78- 79.
2. سورة يس: الآيتان 81- 82.
3. سورة ق: الآيات 3، 6-11.
وفي سورة القيامة يقول تعالى:
{لَآ أُقْسِمُ بِيَوْمِ ٱلْقِيَٰمَةِ وَلَآ أُقْسِمُ بِٱلنَّفْسِ ٱللَّوَّامَةِ أَيَحْسَبُ ٱلْإِنسَٰنُ أَلَّن نَّجْمَعَ عِظَامَهُۥ بَلَىٰ قَٰدِرِينَ عَلَىٰٓ أَن نُّسَوِّىَ بَنَانَهُۥ} (1)
ولم يكتف القرآن الكريم بتقرير القضية الأولى قضية البعث. بل تناول يوم الحساب بتفصيل كبير وتناول ذكر الجزئيات فيه، حتى غدا القارئ للآيات وكأنه في ذلك اليوم، يسمع النقاش، وينظر إلى الأعضاء وهي تشهد على صاحبها. . وينظر إلى الكافر وهو يتمنى لو كان تراباً. .
وفيما بعد الحساب يكون الجزاء. . الجنة أو النار.
وتناول القرآن أيضاً وصف الجنة ونعيمها، كما تناول وصف النار وعذابها حتى باتت كل منهما تتراءى للإنسان حقيقة واقعة أمام ناظريه. .
إنها حقائق من عالم الغيب يقررها القرآن الكريم ليستكمل بها بناء العقيدة في نفس المسلم.
تلك هي الخطوط الكبرى لهذه العقيدة، التي تصدى لها القرآن المكي خلال ثلاثة عشر عاماً، ووقف عندها لا يتجاوزها، وكانت غايته تقريرها في النفوس بحيث تكون عقيدة ثابتة مستقرة، مبنية على الوعي والنظر والمعايشة. .
إن القرآن المكي وهو يؤكد على هذه القضية، إنما يؤكد على قيام تصور إسلامي كامل في نفس كل فرد مسلم يتبين من خلاله مكانه في هذا الوجود ومكانته.
____________________
1. سورة القيامة: الآيات 1-4."لقد كان هذا القرآن المكي يفسر للإنسان سر وجوده ووجود هذا الكون من حوله. . كان يقول له: من هو؟ ومن أين جاء، وكيف جاء، ولماذا جاء؟ وإلى أين يذهب في نهاية المطاف، من ذا الذي جاء به من العدم المجهول؟ ومن ذا الذي يذهب به وما مصيره هناك؟. . وكان يقول له: ما هذا الوجود الذي يحسه ويراه، والذي يحس ان وراءه غيباً يستشرفه ولا يراه؟ من أنشأ هذا الوجود المليئ بالأسرار؟ من ذا يدبره ومن ذا يحوره؟. . وكان يقول له كذلك: كيف يتعامل مع خالق هذا الكون، ومع الكون أيضاً، وكيف يتعامل العباد مع خالق العباد" (1).
ولقد كانت العقيدة بهذا المعنى الشامل، والذي تجاوز أن يكون علماً نظرياً إلى تفاعل نفسي واجتماعي، كانت قوام التربية التي انتهجها الإسلام في مكة وربى أبناءه عليها.
____________________
1. في ظلال القرآن 2/ 1004.