صفية بنت حيي بن أخطب، كان أبوها سيد بني النضير.
كانت متزوجة قبل النبي ﷺ من كنانة بن أبي الحقيق الذي قتل يوم خيبر، ولم تلد له.
أما زواجها من الرسول ﷺ فقصته مرتبطة بفتح خيبر.
فبعد النجاحات التي أحرزها النبي ﷺ على صعيد جميع الميادين. . أصبحت خيبر هي مكمن الخطر المتوقع، فقد علم ﷺ أن اليهود في خيبر عازمون على غزو المدينة مستعينين بأهل تيماء وفدك ووادي القرى، دون الاستعانة بأحد من العرب. .
. . وفتح ﷺ خيبر. . وكان من نتائج ذلك أن وقع بأيدي المسلمين بعض السبي، وجاء دحية الكلبي إلى النبي ﷺ فقال: يا نبي الله، أعطني جارية من السبي، فقال له: (اذهب فخذ جارية) فأخذ صفية، فجاء رجل إلى النبي ﷺ فقال: يا نبي الله، أعطيت دحية صفية بنت حيي، سيدة قريظة والنضير، لا تصلح إلا لك، فقال: (ادعوه بها) فجاء بها فقال: (خذ جارية من السبي غيرها) وأعتقها النبي ﷺ وتزوجها (1).
والرسول ﷺ إنما أذن لدحية في جارية من عامة السبي، لا من أفضلهن نسباً وشرفاً، لأنه يوجد في الجيش مثل دحية - بل من هو مقدم عليه - كثير، فكيف والحالة هذه يمكن إقامة العدل.
قال أنس: وأقام النبي ﷺ بين خيبر والمدينة ثلاثاً، يبني بصفية، ودعوت المسلمين إلى وليمته، فما كان فيها من خبز ولا لحم، وإنما أمر بالأنطاع، فألقي فيها التمر والأقط والسمن فكانت وليمته.
______________________
1. رواه البخاري (371)، ومسلم (1365 م).
وتساءل المسلمون: هل هي إحدى أمهات المؤمنين، أم هي مما ملكت يمينه؟ فقالوا: إن حجبها فهي من أمهات المؤمنين، وإن لم يحجبها فهي مما ملكت يمينه.
فلما أراد ﷺ أن يرتحل حجبها. . فتبين أنها إحدى أمهات المؤمنين (1).
ولما كانوا على أبواب المدينة. . والنبي ﷺ مردف خلفه صفية، وأبو طلحة وأنس بالقرب منه، عثرت ناقة النبي ﷺ فصرع النبي وصفية. . فاقتحم أبو طلحة عن بعيره وأتى النبي ﷺ فقال: يا نبي الله، جعلني الله فداك، هل أصابك شيء؟ قال: (لا، ولكن عليك بالمرأة) فألقى أبو طلحة ثوبه على وجهه وقصد قصدها، فألقى ثوبه عليها، فقامت المرأة، فشد لهما على راحلتهما فركبا (2).
ولما وصل ﷺ المدينة أنزل صفية في بيت لحارثة بن النعمان، فسمع نساء الأنصار فجئن ينظرن إلى جمالها، وجاءت عائشة متنقبة، فلما خرجت خرج رسول الله ﷺ على أثرها، فقال: (كيف رأيت يا عائشة؟) قالت: رأيت يهودية، قال: (لا تقولي ذلك فإنها أسلمت وحسن إسلامها) (3).
ومن أخبارها: أنها قالت للنبي ﷺ في وجعه الذي توفي فيه: والله، يا نبي الله، لوددت أن الذي بك بي. فغمزها أزواجه، فأبصرهن فقال: (مضمضن) قلن: من أي شيء؟ قال: (من تغامزكن بها، والله إنها لصادقة) (4).
______________________
1. رواه البخاري (5085).
2. رواه البخاري (3086) ويستوقف القارئ في هذا الخبر أمران:
3. "شرح الزرقاني على المواهب" (3/ 259).
4. "شرح الزرقاني" نقلاً عن ابن سعد (3/ 259).
الأول: أنه ﷺ رغم انتصاره لا يجد بعيراً آخر تركب عليه صفية الأمر الذي اضطره أن يردفها خلقه
والثاني: سرعة بديهة أبي طلحة أنه حينما اتجه إلى صفية وضع الثوب على وجهه واتجه إليها حتى لا يراها وهي متكشفة نتيجة وقوعها.
كانت صفية عاقلة حليمة فاضلة، فقد أتت جارية لها عمر بن الخطاب رضي الله عنه، فقالت: إن صفية تحب السبت وتصل اليهود، فبعث عمر فسألها فقالت: أما السبت فإني لم أحبه منذ أبدلني الله به الجمعة، وأما اليهود فإن لي فيهم رحماً، فأنا أصلهم. ثم قالت للجارية: ما حملك على هذا؟ قالت: الشيطان، قالت: اذهبي فأنت حرة (1).
وهكذا كافأت الإساءة بالمعروف.
توفيت في رمضان سنة خمسين من الهجرة، رحمها الله تعالى ورضي عنها.
______________________
1. "شرح الزرقاني" (3/ 259).