قالوا: ومن خصائصه صلى الله عليه وسلم: أنه أول النبيين في الخلق، وآخرهم في البعث واستدلوا بحديث أبي هريرة:
(كنت أول النبيين في الخلق وآخرهم في البعث فبدأ بي قبلهم)
(1).
وذهب بعضهم يقيم الأدلة على أنه خلق قبل آدم في كلام طويل. . .
ومن جملة ما قالوا: "فهذا يدل على أنه حين صور آدم طيناً، استخرج منه محمداً ﷺ ونبئ وأخذ منه الميثاق، ثم أعيد إلى ظهر آدم، حتى وقت خروجه الذي قدر الله خروجه فيه، فهو أولهم خلقاً.
لا يقال: يلزم خلق آدم قبله، لأن آدم كان حينئذ مواتاً لا روح فيه، ومحمد ﷺ كان حياً حين استخرج ونبئ وأخذ منه الميثاق، فهو أول النبيين خلقاً وآخرهم بعثاً" (2).
______________________
1. الخصائص الكبرى 1/ 7، ومرشد المحتار ص 385 وغيرهما.
2. المواهب اللدنية 1/ 65.
وذهب بعضهم يفسر هذا الوجود: بأنه وجود في علم الله تعالى.
ورد بعضهم على ذلك فقال:
"وقد علم من هذا: أن من فسره بعلم الله بأنه سيصير نبياً، لم يصل إلى هذا المعنى، لأن علم الله تعالى محيط بجميع الأشياء. . لأن جميع الأنبياء يعلم الله تعالى نبوتهم في ذلك الوقت وقبله، فلا بد من خصوصية للنبي صلى الله عليه وسلم. لأجلها أخبر بهذا الخبر إعلاماً لأمته ليعرفوا قدره عند الله تعالى" (1).
تلك بعض الجدليات التي لا طائل وراءها لأنها لا تستند إلى دليل.
ونعود إلى الحديث الذي استدلوا به:
فقد ضعفه صاحب السلسلة الضعيفة (2).
وما كان كذلك لا تقوم به حجة في الخصوصيات.
واستدل بعضهم بحديث.
"كنت نبياً، وآدم بين الماء والطين".
وحديث: "كنت نبياً ولا آدم ولا ماء ولا طين".
وقد قال الإمام ابن تيمية عنهما: هذا اللفظ كذب باطل (3).
وقال أيضاً: "لا أصل له لا من نقل ولا من عقل، فإن أحداً من المحدثين لم يذكره ومعناه باطل، فإن آدم عليه السلام لم يكن بين الماء والطين قط، فإن الطين ماء وتراب، وإنما كان بين الروح والجسد.
______________________
1. المواهب اللدنية 1/ 64.
2. سلسلة الأحاديث الضعيفة للشيخ الألباني برقم 661.
3. فتاوى ابن تيمية 18/ 379 - 380.
ثم هؤلاء الضلال يتوهمون أن النبي صلى الله عليه وسلم كان حينئذ موجوداً وأن ذاته خلقت قبل الذوات، ويستشهدون على ذلك بأحاديث مفتراة، مثل حديث أنه كان نوراً حول العرش، فقال: يا جبريل أنا كنت ذلك النور، ويدعي أحدهم أن النبي كان يحفظ القرآن قبل أن يأتيه به جبريل" (1).
فهذه الأحاديث وأمثالها لا يقوم بها دليل فكيف تكون دليلاً على الخصوصية.
نعم قد وردت أحاديث في موضوع النبوة: منها:
ما أخرجه الترمذي عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رضي الله عنه قَالَ: قَالُوا: يَا رَسُولَ اللَّهِ مَتَى وَجَبَتْ لَكَ النُّبُوَّةُ؟ قَالَ
(وَآدَمُ بَيْنَ الرُّوحِ وَالْجَسَدِ)
(2).
ومنها: ما أخرجه أحمد عن ميسرة الفجر قال: قلت: يا رسول الله، متى كتبت نبياً؟ قال:
(وآدم عليه السلام بين الروح والجسد)
(3).
ومنها: ما أخرجه أحمد وغيره من العرباض بن سارية عن النبي ﷺ قال:
(إني عند الله لَخَاتَمُ النَّبِيِّينَ وَإِنَّ آدَمَ لَمُنْجَدِلٌ فِي طِينَتِهِ)
(4).
وهذه الأحاديث كلها ليس فيها أنه أول النبيين في الخلق، ورواية ميسرة "متى كتبت" من الكتابة، تؤكد ذلك وأن المراد وجوب نبوته وثبوتها.
وليس من الضروري أن يكون للنبي محمد ﷺ خصوصية في كل أمر، فقد شارك بقية الأنبياء عليهم الصلاة والسلام في كثير وكثير من الأمور.
وإذا فلا خصوصية هناك، ولا حاجة لزج الفكر في أوهام باطلة، أضاع بها بعضهم كثيراً من وقتهم وأوقات الآخرين، لأنهم لم يلتزموا الوقوف عند الصحيح من الأحاديث الشريفة.
______________________
1. سلسلة الأحاديث الضعيفة عند الحديث (303).
2. أخرجه الترمذي برقم (3609).
3. المسند 5/ 59.
4. المسند 4/ 127.